منذ الانطلاق الرسمي للعمل بها، غامرت البنوك الإسلامية (التشاركية) في المغرب بالنشاط دون تأمين يغطي زبائنها وتمويلاتها ضد المخاطر، خصوصا في حالات الموت أو العجز عن السداد.
وكان زبائن البنوك الإسلامية قد وقعوا التزامات يتعين عليهم وفقها إبرام عقود التأمين التكافلي فور دخوله حيز التنفيذ.
وعلمت الجزيرة نت أن أحد فروع بنك تشاركي شهد موت ثلاثة من زبائنه في غياب التأمين، مما دفع البنك للوصول في التفاوض مع ذوي الحقوق إلى حدود إلغاء أرباح البنك وتسديد قيمة رأسمال العقار فقط.
وبعدما استغرق تعديل مدونة التأمينات بالمغرب قرابة تسعة أشهر لملاءمتها مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، صادق مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان المغربي) يوم 9 يوليو/تموز الجاري على مشروع قانون يعدل القانون المتعلق بمدونة التأمينات.
وتخضع منتجات التمويل الإسلامي بالمغرب -بما فيها التأمين التكافلي- لرقابة اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة للمجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة للإفتاء بالمغرب)، وبنك المغرب، والهيئة المغربية لسوق الرساميل، وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي.
إضافة نوعية
يعتبر رئيس الجمعية المغربية لمهنيّي المالية التشاركية سعيد أمغدير أن التأمين التكافلي إضافة نوعية في مسار استكمال منظومة التمويل التشاركي بالمغرب.
ويؤكد أمغدير في حديث مع الجزيرة نت أن التأمين التكافلي بعد الكثير من التكييفات، سيساهم في تمكين المغرب من مواكبة منظومة المالية الإسلامية عبر تغطية المخاطر. وأوضح أن المنتجات التي سيتم اعتمادها تغطي مخاطر العجز عن السداد والوفاة.
من جانبه يؤكد رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي عبد السلام بلاجي أن التأمين التكافلي سيتمكن -رغم تأخره- من حل مشكلة المخاطر لصالح العملاء والبنوك، وسيسمح بتطوير البنوك التشاركية.
ويرى أمغدير أن تمويلات البنوك التشاركية التي بلغت اليوم نحو 6.5 مليارات درهم (نحو 700 مليون دولار) تحتاج للتغطية، مشيرا إلى الالتزام الذي وقعه العملاء وتعهدوا من خلاله بتوقيع عقود التأمين ضد المخاطر لتغطية الفراغ الذي عملت فيه البنوك لحد الآن.
وتسمح منتجات التأمين التكافلي العائلي بالإضافة إلى تغطية الوفاة والعجز عن السداد، بتوفير منتجات التأمين للتعليم والحج والتقاعد، في حين تسمح منتجات التأمين العامة بتغطية المخاطر المهنية.
وكان الخبير الاقتصادي نوفل الناصري قد ذكر في مقال حول الموضوع أن التأمين التكافلي يعتبر إحدى أهم آليات الحماية الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي، لمساهمته في تحقيق نوع من العدالة الاجتماعية بين مختلف فئات المجتمع، خصوصا تلك الأكثر هشاشة التي لا تستطيع بإمكانياتها الخاصة مواجهة جميع المخاطر المحتملة.
استكمال المنظومة
عرفت ولادة التمويل الإسلامي في المغرب مخاضا عسيرا لا تزال فصوله مستمرة. وكان الفاعلون في هذا التمويل ينتظرون استكمال المسار التشريعي للتأمين للتمكن من تقليل المخاطر والعمل ضمن حلقة متكاملة.
ويرى أمغدير أن اكتمال منظومة التمويل الإسلامي تحتاج باقي المنتجات المالية والاستثمارية الموافقة للشريعة، مثل الصناديق الاستثمارية للقيم المنقولة، وصناديق استثمار التكافل، كما نبه إلى ضرورة العرض المالي على مستوى البورصة.
ويعتقد عبد السلام بلاجي أن هناك ضغوطا قوية تدفع إلى عدم نجاح المنظومة، ويرى أن هناك مقاومة من طرف “لوبي” يدافع عن موقعه، وقال إن “بعض البنوك التقليدية أصابتها الغيرة.. ويوجد فعلا مقاومون للمالية الإسلامية”.
ويتوقع أن يساهم التأمين التكافلي في انتعاش المالية الإسلامية، وتحفيز المواطنين على الانخراط الفعلي في خدمات البنوك التشاركية، حيث يرى المراقبون أن الإقبال لا يزال ضعيفا مقارنة مع التوقعات التي رافقت عملية انخراط المغرب في هذا النوع من التمويل. ومن المحللين من ربط ضعف الإقبال بحداثة التجربة، بينما يرى آخرون أن تواصل البنوك التشاركية ظل ضعيفا.
وتغطي خدمات التأمينات في المغرب حوالي 3.5% بينما تصل في بلد مثل جنوب أفريقيا إلى 14%، بما يَعِد -حسب أمغدير- بفرص واعدة لرفع مستوى الشمول المالي في المغرب، ويتيح هامشا كبيرا لتطور التأمين التكافلي.
من جهته يرى بلاجي أن “المالية التشاركية اليوم بخير”، قبل أن يستدرك فيما يشبه العتاب، ويؤكد على ضرورة فتح الحسابات في البنوك التشاركية، واصفا بعض مؤيدي التجربة بأنهم “مهملون وغير مبالين”.
المصدر : الجزيرة