عرضت إيران شريط فيديو يظهر زوارق سريعة تقوم بعملية إيقاف لناقلة النفط البريطانية «ستينا امبيرو»، كما أظهرت اللقطات أفراداً ملثمين من الحرس الثوري يحملون مدافع رشاشة وهم يهبطون على سطحها للسيطرة على طاقمها.
يتقصد الشريط طبعاً تقليد طريقة الاحتجاز التي استخدمها ثلاثون من مشاة البحرية الجوية الملكية البريطانية للسيطرة على ناقلة النفط الإيرانية العملاقة قبل أسبوعين في مضيق جبل طارق الذي هو منطقة حكم ذاتي تابعة للمملكة المتحدة.
قدمت طهران تفسيرين للعملية، الأول أن الناقلة اصطدمت بقارب صيد إيراني وأنها تجاهلت نداء استغاثة أطلقه، والثاني أن الناقلة البريطانية دخلت مضيق هرمز من الاتجاه الخاطئ وأن إيقافها جرى «إلى حين الانتهاء من تقييم قضائي»، وبذلك قدمت، كما هو متعارف عليه في النزاعات، مبرراً قانونياً يتناظر مع مبرر قانوني قدمته بريطانيا لاحتجاز الناقلة الإيرانية، وهو أنها كانت متجهة بالنفط إلى سوريا التي تخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص.
تمثل رد الفعل البريطاني باعتبار العملية الإيرانية «عدائية» وبالتهديد أنه ستكون لها «عواقب جسيمة»، فيما كانت طهران بدورها قد وصفت العملية البريطانية بحق ناقلتها النفطية بالقرصنة والعمل غير القانوني، قائلة إنها غير مضطرة للخضوع لقرارات تلزم دول الاتحاد الأوروبي نفسه وليس إيران.
وإذا كانت القيادة السياسية الإيرانية تعيش ظروفاً صعبة بتأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية المشددة عليها، وبفعل التوترات المتعلقة بإلغاء واشنطن للاتفاق النووي، فإن القيادة السياسية البريطانية (والاقتصاد البريطاني بالنتيجة) ليست في أحسن أحوالها، فرئيسة الوزراء الحالية، تيريزا ماي، يفترض أن تقدم استقالتها الأربعاء المقبل، وسيتولى منصبها على الأغلب وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، وهو شخص لا يحظى بإعجاب في الاتحاد الأوروبي لدوره في صنع استفتاء الخروج «بريكسيت» ولتصريحاته مؤخراً حول إمكان قيادته بلاده للخروج من الاتحاد من دون اتفاق، وهو ما يجعل بريطانيا مرشحة لتكون وحيدة في نزاعها مع إيران.
قبل دخولها هذا المنعطف الأخير، كانت الحكومة البريطانية تحاول أخذ موقف وسط بين واشنطن وطهران، فهي لا ترغب في إغضاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما أنها لا تريد الابتعاد كثيراً عن الموقف الأوروبي، ويبدو أن احتجازها للناقلة الإيرانية أوقعها في وضع غير محسوب النتائج وأشبه بالفخ، فإسبانيا التي مرت الناقلة في مياهها الإقليمية وكانت دورياتها تتبعها بناء على معلومات استخبارية من واشنطن، تراجعت عن التدخل، بل إن وزير خارجيتها جوزيب بوريل، استنكر العملية البريطانية في مياه مضيق جبل طارق، أما الاتحاد الأوروبي نفسه، الذي جرت العملية باسمه، فقد استنكف عن التصريح حولها (رغم أن فرنسا وألمانيا أدانتا عملية احتجاز إيران للناقلة البريطانية).
النتيجة أن بريطانيا طالبت السفن التي تحمل علمها بالحذر عند عبورها مضيق هرمز، وهو نوع من الإقرار بأنها غير قادرة على حمايتها، وبعد أن قال وزير خارجيتها جيرمي هانت أن بلاده ستقدم على «رد قوي ولكن مدروس»، عاد ليعلن لاحقاً أن حل الأمر سيتم بالطرق الدبلوماسية، وأن لندن لا تبحث «خيارات عسكرية».
من الواضح أن الجرأة الإيرانية، وعملها بطريقة «العين بالعين والسن بالسن»، وقدراتها الواضحة على التحكم بمضيق هرمز، والهجمات بالطائرات المسيرة على المطارات والمواقع السعودية، أدت إلى تراجعات واضحة في موقف خصومها، كما حصل في إعلان الإمارات انسحابها من اليمن، ومحاولتها عدم إغضاب إيران بعد الحوادث المتكررة للناقلات الخارجة أو الداخلة إليها، وكذلك الموقف الأوروبي الذي يحاول إبعاد نفسه عن النزاع.
لقد أدى انسياق لندن إلى هذه المواجهة إلى انكشاف قدراتها العسكرية المحدودة في حماية أكثر من 15 سفينة تحمل علمها وتمر في مضيق هرمز يومياً، وسيكون هذا أول الامتحانات التي ستواجه رئيس الوزراء البريطاني المقبل، ولعله لن يكون أكبر الامتحانات، فبريطانيا مقبلة على أوضاع صعبة ستحدد موقعها السياسي والاقتصادي في العالم.
القدس العربي