عاد صديق قريب لي قبل بضعة أيام من خدمة الاحتياط في منطقة غزة. ما قاله لي صدمني. “لزمن طويل، لم أشعر بهذا الحرج في أن أكون جزءاً من هذا الأمر الذي أكون عادة فخوراً به – خدمة الاحتياط في الجيش الإسرائيلي”، قال وهو يحمر خجلاً. “عندما تلقينا الإرشاد والأوامر اعتقدت أني لم أسمع جيداً”. فقد روى أن أساس الأعمال كان تشخيص البالونات واستدعاء خبراء المتفجرات أو كبديل الركض من حريق إلى حريق. ووصف أحاسيس قاسية جداً لدى رفاقه في الوحدة ممن تركوا عائلاتهم وجاؤوا يهرعون ليروا جيشاً إسرائيلياً مختلفاً تماماً عما كانوا يعرفونه.
ليس مجدياً أن نتناول الأمور كقصة عابرة. هذا عرض مرضي يمثل وضعاً خطيراً أكثر بكثير. في هذه الأيام، نحيي خمس سنوات على الجرف الصامد – الحملة الأطول في تاريخ إسرائيل، والتي دفنا فيها 68 من جنودنا و6 مواطنين إسرائيليين. لقد بات واضحاً اليوم بأن جذور ضياع الردع الإسرائيلي الذي نراه اليوم غرست في حينه – في صيف 2014.
لقد حاول الجيش الإسرائيلي وحكومة إسرائيل في السنتين الأخيرتين أن تسوقا لنا الصيغة التي تقول إنه “على كل هجوم سيأتي رد”، إلا أن الردود الإسرائيلية بعد الهجمات تعود إلى الكثبان الفارغة، ما جعلها موضع هزء في الجمهور الإسرائيلي. يروي لنا قادة الجيش والحكومة المرة تلو الأخرى بأن “حماس ضربت بشدة”، ولكن الجمهور الإسرائيلي ليس غبياً أن يفهم بأن الوحيدين هنا المضروبين والمردوعين هم نحن. لقد رأينا هذا في اتفاق الخاوة قبل اليوروفيجن، في التقارير عن خطة إخلاء العمارات متعددة الطوابق في سديروت، وفي التحصن غير المتوازن تحت سطح الأرض وفوقها في الفترة الأخيرة. وقد أضيف إلى هذا الاعتذار عن قتل رجل حماس قرب الجدار، والامتناع عن الرد على نار الصواريخ، من أجل مواصلة العمل على التسوية، إن هذا لهو عصف تام بكل شيء.
من الصعب أن نقول إذا كانت القيادة الإسرائيلية والعسكرية تؤمن حقاً بأن حماس مردوعة أم أنهم يفضلون أن يبيعوا للجمهور الإسرائيلي صورة منقطعة عن الواقع على سبيل تهدئة روع السكان. مهما يكن من أمر، فإن هذه المحاولات تمس مساً شديداً بشبكة علاقات الثقة بين الجمهور الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي وقادة الدولة.
حتى قبل بضع سنوات، عندما كانت القبة الحديدية لا تزال قيد التطوير، كان تصدي الجيش الإسرائيلي للتهديدات هو إيجاد حلول هجومية وإبادة التهديد في ساحته الداخلية. ومن معارك الدفاع المتطورة اخترنا تجاهل جذر المشكلة، وهذه لا ترحل إلى أي مكان. وعندما لا نحاول الحسم، والتطلع إلى النصر، ومعالجة جذر المشكلة – فإن الثمن سيأتي مع فائدة أعلى بكثير. إن الانتصار على حماس لا يعني بالضرورة الإبادة التامة للعدو. الانتصار هو أيضاً إيقاع ضربة قاسية ومتواصلة، بحيث تنهي حماس المعركة مع قناعتها بعبث مواصلة القتال، مع فهم واضح بأن خطوة كهذه هي الأخيرة التي ستجديها مع إسرائيل.
رغم كل شيء، فإن قدرات الجيش الإسرائيلي على الانتصار في هذا الصراع ليست موضع شك. يجب الخروج من مفهوم التحصين والمزيد من التحصين، والتوجه إلى المبادرة، وحمل الطرف الآخر على أن يشعر بالضربة في كل مكان يكون فيه، فنعيد بذلك الردع الضائع. يجدر بقيادة الجيش الإسرائيلي وبالحكومة أن يتذكروا أنه عند الحديث عن الردع، فهذه مباراة نتيجتها الصفر. عندما لا تنجح بالردع يعود عليك هذا بالسهم المرتد، والوحيدون الذين يكونون مردوعين في النهاية هم نحن.
القدس العربي