حكومات إسرائيل المتعاقبة.. واقع احتلالي لا ينتج إلا وعياً احتلالياً

حكومات إسرائيل المتعاقبة.. واقع احتلالي لا ينتج إلا وعياً احتلالياً

لقد استنفد العقل بالفعل من خلال جميع حسابات الخبراء وتحليلات المفسرين استعداداً للانتخابات: من سيذهب مع من، من سينفصل عن من، من سيوافق، من لن يوافق، من يتحد ومن ينفصل، من سيرتفع ومن سيهبط.

كل ذلك على لا شيء. الانتخابات القادمة قد تكون مسلية، لكن ليس فيها معنى حقيقي وأهمية.

سنشرح ذلك: كل الحكماء والأذكياء والعقلانيين الذين نسوا، لسبب ما، المقولة القديمة للعبقري كارل ماركس “الواقع يصوغ الوعي”. وبعبرية أكثر وضوحاً “الواقع الذي يحيط بالإنسان يشكل وعيه”. من يعش حياة العمال سيطور وعياً عمالياً، السارق سيطور وعي السرقة، البرجوازي سيطور وعياً برجوازياً، والاحتلال رغماً عنه سينبت وعياً احتلالياً (“احتلالي”، يظهر غامض جداً).

الناخب الإسرائيلي أيضاً الذي استثمر أجيالاً في تشغيل وصيانة احتلال حقير، أنبت لنفسه وعياً احتلالياً يحلل كل حشرة ويبرر كل خطيئة. حيث إن أحداً لا يريد أن يعرف أنه شخص غبي ومجرم، يستنفد قوته وماله ودمه على حلم مضلل ومجنون. ومن أجل أن يعمق القمع أكثر، يختار هذا الجمهور مرة تلو أخرى حكومات تسعى إلى الاحتلال. زعماء يربت على كتفه ويهمس في أذنه بأنه ليس بهذا القدر من النذالة. بل العكس.. وطني وليبرالي.. يهودي وديمقراطي.. بطل ومسكين.. قوي ومطارد.. عبقري وسخي. ومطلقاً غير عنيف. إنما مقدس وعادل وأحلى من العسل!

هكذا تدور العجلة المجنونة: واقع الاحتلال يشكل وعياً احتلالياً، يختار سلطة احتلال تعمق واقع الاحتلال وتشجع واقع الاحتلال وتختار سلطة احتلال… وهكذا دواليك. هذا النظام قوي وثابت، ويبدو أنه يعمل في اللاوعي. حيث إنه وبهذه الصورة يمكن تفسير السلوك الانتحاري لعمير بيرتس، وفرحة الانقسام الأميبي للقوائم العربية والهشاشة المضحكة “لأزرق رمادي”.

هذه هي الحقيقة المحزنة: طالما استمر الاحتلال فلن تقوم هنا حكومة تضع حداً له. الواقع والوعي لن يسمحا للعقل السليم والإنسانية بالتغلب عليه. وزعماء قادرون على الخلاص من هذا الفخ لا يظهرون حتى في الأفق.

لذلك، الانتخابات القادمة عديمة الجدوى، فقمة طموحات جميع الأحزاب التي تتحدى السلطة الحالية هي “حكومة وحدة وطنية”. مشروع تقسيم الغنيمة نفسه، السلطة والاحترام، الذي يصاب بالشلل الدماغي على الفور مع هبوطه على الكراسي المصنوعة من جلود الظباء. “حكومة وحدة” في إسرائيل كما القنب الطبي للغرغرينة. النخر سيستمر في نخره، لكن المريض مخدر بمخدر لطيف.

ما قيل أعلاه ليس السبب في غرق من بقي من المتنورين، الذين شاهدوا المولود قبل عشرات السنين، في يأس اكتئابي. ولا توجد فائدة في هذا. أفضل من ذلك بكثير الفضول غير المبالي والساخر الذي فيه وجبات محددة من “لقد قلنا لكم”، مليئة بالرضى. ومن المسموح أيضاً أن نضيف حفنة صغيرة من السعادة للكآبة الماسوشية، والإشارة بعلامة “في” فخورة إلى جانب كل نبوءة سوداء تتحقق.

ولكن من أجل تطوير أمل، يجب أن تكون مغفلاً. والذين يصممون على التمسك مع كل ذلك ببصيص أمل ما، مسموح أن نعرض عليهم احتمالين، إما المعجزة وإما الـ بي.دي.اس. لأنه إذا استيقظ الله أو شعوب العالم أخيراً من السبات، فسينبت احتمال ما لخلاص ما.

مسموح الأمل بأن لا يكون هذا الخلاص مقروناً بسفك فظيع للدماء.

الغد