تمكن السياسي الإشكالي والصحافي، بوريس جونسون، من الحصول على زعامة حزب المحافظين البريطاني وهو ما سيؤهله لتولي منصب رئيس الوزراء قريباً كخلف للزعيمة المستقيلة، تيريزا ماي، وذلك بعد منافسة قوية مع خصمه، وزير الخارجية الحالي، جيرمي هانت، حصل فيها جونسون على 66 في المئة من أصوات أعضاء حزب المحافظين.
غير أن حصوله على عدد راجح يزيد قليلاً عن نصف عدد نواب الحزب في البرلمان (83 من أصل 160)، يشير إلى أول العقبات التي عليه اجتيازها، وهي توحيد صفوف نواب حزبه وراءه، ويشير خطاب الانتصار الذي ألقاه إلى خطته المقبلة بهذا الاتجاه، بدءاً من التحية التي قدمها لخصمه هانت الذي خاض حملة انتخابية شرسة ضده، وبإشارته إلى أن لا أحد يملك «احتكاراً للحكمة»، وبمغازلته لدعاة البقاء في الاتحاد الأوروبي، وبدعوته لبث الطاقة في الحزب و«الإيمان ببريطانيا».
وإذا افترضنا أن جونسون سيستطيع تحقيق وحدة الحزب تحت قيادته، وهو أمر يشك فيه طبعاً، فكيف سيستطيع، وخلال 18 يوماً (حين يعود البرلمان للانعقاد) تقديم خطة جديدة ناجعة للخروج من الاتحاد الأوروبي، يوافق عليها البرلمان، وخصوصاً مع التوقعات الاقتصادية المخيفة في حال حدوث خروج من الاتحاد من دون اتفاق؟
درجة الإثارة في الحدث دفعت جونسون نفسه إلى المزاح بالقول إن العديد من الحاضرين لخطابه، وأغلبهم من مؤيديه، سيسائلون أنفسهم ماذا فعلوا بالموافقة على انتخابه، فيما علق كثير من البريطانيين على الحدث بأنه كان ليكون مضحكاً لولا أنه حقيقة.
المقالات الصحافية شهدت عناوين مثل: «تم تتويج المهرج، وعلى البلاد الآن أن تحترق في الجحيم»، «احتضني نفسك بريطانيا فأمامك حقبة طويلة من الحكم السيئ»، وفيما حلل بعضها السيناريوهات السيئة المتوقعة، فإن البعض الآخر حفل بالسخرية الحادة من رئيس الوزراء الجديد.
سبب ذلك واضح طبعاً فـ«الخلطة العجيبة» التي يريد جونسون استخدامها لحل المشاكل المستعصية، وخصوصاً قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي، غير ممكنة التطبيق، فحتى لو أنه نجح مع انتهاء المهلة التي أعطاها الاتحاد الأوروبي لبريطانيا، في 31 أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، في إخراج بلاده بإلغاء تعهدات بريطانيا للاتحاد، فإن «البركسيت» المزعوم لن يتحقق ما لم يتم الاتفاق على علاقة بين الطرفين، وهو يعني، في النهاية، الاتفاق على شيء معين.
إضافة إلى العدد الضئيل من الحزبيين الذين حسموا أمر انتخابه، وهي تعادل نسبة 0.02 في المئة من البريطانيين، فإن بوريس جونسون حصل على مؤيد خطير، على الأقل بالكلام، وهو الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي قال إن «شعبية» جونسون بين مواطنيه سببها أنه «ترامب البريطاني» بالنسبة إليهم، وهو أمر فيه بعض المصداقية، فالرجلان تجمعهما الكثير من التشابهات، وخصوصاً في السيرة الشخصية، كالعلاقات الشائكة مع النساء، والنجومية، والتصريحات العنصرية المثيرة، لكن التشابهات والمقارنات تفيد أحياناً وتضر أحياناً، فبريطانيا لم تعد القوة العظمى التي كانت عليها قبل مئة عام، وبالتالي فهي لم تعد تستطيع دفع تكلفة الحروب أو معاداة الجغرافيا، ولا تفصلها محيطات شاسعة عن أوروبا، كما هو حال أمريكا، ولا تملك ترف التعامل بعنجهية مع أقرب البلدان إليها، فما بالك بالبلدان البعيدة، وإذا أضفنا إلى ذلك الاختلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فإن ما يبقى من «ترامب البريطاني» هو الواقع الحقيقي الذي لا يمكن تغييره في موضوع الخروج من أوروبا، وكذلك التداعيات الخطيرة لمحاولة الانسحاب من دون اتفاق.
والخلاصة أن التاج أكبر بكثير من رأس المهرج.
القدس العربي