بدأت روسيا بتزويد تركيا بأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز أس-400 المتطورة المثيرة للجدل. وبالنسبة لموسكو، يعد هذا حدثاً هاما ورمزا للنصر الدبلوماسي: فقد صار ممكنا دق إسفين بين أنقرة وواشنطن، وهما دولتان في الناتو! ومع ذلك، تثير الصفقة لدى الخبراء الكثير من الأسئلة.
لماذا نقلت الطائرات الروسية على جناح السرعة معدات أس-400 التي استغرقت المفاوضات بشأن بيعها عدة سنوات، كما أن الطرفين يلوذان بالصمت على شروط استخدام الأنظمة، بالرغم من إنها قد تهدد الطائرات الروسية في سوريا؟ والأهم من ذلك، هل ستذهب أسرار التقنية العسكرية الروسية إلى طرف آخر؟ ويرى بعض الخبراء أن الصفقة لا تعود على روسيا بأرباح مالية كبرى، وأنها تستهدف تحقيق أغراض جيوسياسية لها.
وتم إبرام عَقد بيع أنظمة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات أس-400 نهاية عام 2017 وقُدرت تكاليفه 2.5 مليار دولار، وكان الأمر في البداية، يتعلق بتسليم شعبتين، يديرهما عسكريون أتراك. والآن يُقال إن أنقرة ستتلقى أربعة أنظمة. ويقوم الجيش التركي حاليا باختيار الموقع الذي سترابط فيه في المستقبل أس-400. وتبقى المعلومات سرية، لذلك لا يزال من غير المفهوم تماما ما إذا كانت الطائرات الروسية، على سبيل المثال ستقع تحت مدى رؤية أنظمة أس-400 المضادة للطائرات.
وعارضت الولايات المتحدة هذه الصفقة بشدة، على أمل تزويد أنقرة بنظام دفاعها الجوي باتريوت. وأكد الأمريكيون أن أس-400 لا تناسب معايير الناتو، وتحدثوا أيضًا عن عدم جواز التعاون التقني العسكري لتركيا مع بلاد كروسيا التي تواجه التحالف عسكريًا. ومع ذلك، فإن الجانب التركي، رغم كل ضغوط واشنطن، أصر على قراره. ويفترض الخبراء الروس أن موسكو لهذا الغرض قدمت لاردوغان عرضا مفيدا للغاية. وعلى ما يبدو، كانت هناك مخاوف لدى الكرملين من أن يغير الرئيس التركي رأيه، وفسر خبراء بهذا، السرعة التي ظهرت بها أس-400 في تركيا. وتم نقل المجمعات إلى تركيا بواسطة الطائرات، بدلا من طريق البحر الأرخص. ومع ذلك، تم اختيار الطريق الأكثر تكلفة: قرروا استخدام طائرة “رُسلان آن ـ 124” للنقل وهي الوحيدة في العالم القادرة على حمل هذه البضائع الضخمة.
ويفسر الخبراء العجلة في إرسال الأنظمة لتركيا، بأن روسيا ما زالت تتذكر قصة توريد أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات أس-400 إلى قبرص عام 1996. حيث كان من المفترض أن تنقل السفن معدات الأنظمة، ولكن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عارضتا تنفيذ الصفقة فضلا عن تركيا التي لديها نزاع إقليمي مع قبرص، وهددت باعتراضها في مضيق البوسفور، ونتيجة لذلك أرسلت الصواريخ إلى اليابان.
وبهذه الطريقة، تمكنت موسكو من تحقيق ما أرادت: باعت تركيا أس-400. ولكن عددا من الخبراء أبدوا قلقهم، واصفين هذا العقد بأنه أكثر الاتفاقات المشكوك فيها من حيث الحفاظ على الأسرار التي تحف بها. ومن الواضح أن تركيا تسعى إلى الحصول ليس فقط على أنظمة الأسلحة نفسها، ولكن أيضا على التقنيات المستخدمة في صناعتها، وهذا أمر مهم لأن المجمع الصناعي العسكري التركي يطور بشكل مستقل الأسلحة الحديثة وأنقرة تريد تقليل اعتمادها على مشتريات الأسلحة من الأسواق الخارجية. وذكر أن تركيا وضعت في العام الماضي عندما قدمت أنقرة وديعة مالية لـ أس-400 وبشكل غير متوقع عددا من الشروط الإضافية. وبدأ الأتراك في الإصرار على نقل التقنيات السرية إليهم، والإنتاج المشترك لأنظمة الصواريخ. وأفيد بأن الجانب الروسي رفض الوفاء بهذا الطلب، وتم استبعاد الوصول إلى الأنظمة الداخلية للصواريخ المضادة للطائرات أس-400 ويقول المراقبون العسكريون الروس: يبقى فقط التصديق بصحة هذه التصريحات.
وعند محاولة تجاوز “كلمة المرور” واختراق النظام، سيقوم الكمبيوتر تلقائيًا بتدمير جميع البيانات “صديق أو عدو”.
ويقول المنتجون الروس، بأنه لن يتم إرسال أي مستندات حول بيانات الإنتاج إلى تركيا، وبالتالي فإن أنقرة، والجانب الأمريكي، لن يتمكنا من الوصول إلى خفايا أس-400. وحسب الاتفاقية، لا يحق لتركيا تفكيك الأنظمة أو الإضافة إليها وذلك يضمن حماية أنظمة أس-400 الروسية بشكل موثوق من أي انتهاكات. كما ستتم صيانة الأنظمة بشكل حصري من قبل المتخصصين الروس، الذين سيكونون قادرين على التحكم في سلامة أختام التصنيع. بالإضافة إلى ذلك، تحتوي كل منظومة على استشعارات خاصة تنقل إشارة إلى قناة اتصال عسكرية بالأقمار الصناعية إذا قام شخص ما بفتح غير مصرح به. وإذا بذلت محاولة لوضع المجمع في ذراع خاص يعيق انتقال الإشارة، فسيتم حظر جميع معدات أس-400 على الفور، ومن أجل الموثوقية، تم أيضا إنشاء أنظمة الدفاع الجوي مع أنظمة التعرف على “صديق أو عدو”.
وبالرغم من ذلك يرى بعض المراقبين الروس أن التاريخ الحديث يدل على أن تركيا يمكنها أن تتحول فجأة من صديق لموسكو إلى عدوها، وليست هناك ضمانة من أن السلطات التركية لن تتخلى عن جميع الاتفاقيات بعد النزاع التالي. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن ينتهي المطاف بـ أس-400 في أيدي الأمريكيين الذين لديهم قدرات أكثر بكثير على اختراق أقفال الكمبيوتر. نتيجة لذلك، سيتمكن الناتو من الوصول إلى التقنيات السرية الروسية ومعرفة كيفية مواجهتها.
وهناك بالفعل أمثلة وسوابق. حيث إن نظام الصواريخ المضادة للطائرات من الجيل السابق S-300 لم يعد لغزًا للأمريكيين منذ أوائل التسعينيات. إذ تمكنت المخابرات الأمريكية من الحصول على العديد من المجمعات في بيلاروسيا وإخراجها، وقاموا بتفكيك البراغي ودراستها بعناية
ثم قامت اليونان، العضو أيضًا في الناتو، بشراء مجمعات “أس ـ 300 بي أم أو ـ 1 من روسيا. وأجرت الولايات المتحدة وحليفتها الرئيسية إسرائيل مرارًا مناورات مشتركة مع اليونان، قام خلالها طيارو التحالف عملياً بتقييم فعالية أنظمة الصواريخ الدفاعية الروسية. فهل ستكرر القصة نفسها؟ بالمناسبة، أس-400 في الواقع، عبارة عن تحديث لمجمعات أس ـ 300 على الرغم من بيان ممثلي المجمع الصناعي العسكري، بأنها تختلف اختلافًا جذريًا من حيث السيطرة.
وفي وقت لاحق، أتيحت لجيش حلف شمال الأطلسي وإسرائيل الفرصة لاستكشاف تعديل أكثر تقدماً لجهاز أس ـ 300 وفي الصيف الماضي، أجرى الطيارون الإسرائيليون المقاتلون، تدريبات في أوكرانيا باستخدام طائرات أف ـ 15 التي عملت ضدها طائرات أس ـ 300 الأوكرانية، وحضر الخبراء الأمريكيون كمراقبين. وكشف الجيش الأوكراني لهم كل خصائص أس ـ 300 الخاصة بهم، وأظهر أيضًا خوارزميات أنظمة صواريخ الدفاع الجوي هذه. واختبرت الكمبيوترات الأمريكية والإسرائيلية أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات في الميدان في إطلاق نار مستهدف. منذ أن تعلمت الكمبيوترات الأوكرانية كيفية التعامل مع نظام الدفاع الجوي باستخدام البرنامج نفسه كما تلك الروسية، فقد درسوا بدقة تكتيكات استخدام هذه الأنظمة، والتي تم إبلاغ الأمريكيين عنها.
القدس العربي