معبر ألبوكمال وسياسة الخنق

معبر ألبوكمال وسياسة الخنق

بينما تتصاعد المواجهة بين واشنطن وطهران في أماكن أخرى في الخليج العربي، تعطي الأخيرة – طهران – أولوية كبيرة لمحاولاتها ضمان سيطرتها على معبر البوكمال الحدودي في القائم وإعادة فتحه ، حيث تشير التقارير الاخبارية والاستخباراتية عن الجهود التي تبذلها بغداد لإعادة تشغيل معبر البوكمال الحدودي القائم بين الجانبين والتي وصلت إلى مراحل متقدمة تمهيدا لافتتاحه في وقت قريب.
ويربط الطريق الذي يمر بالمعبر، البلدين، إذ يأتي من بغداد نحو الفلوجة والرمادي وهيت وحديثة وصولاً للقائم، ثم يدخل سورية بعد ذلك، متجهاً شمالاً نحو مدينة الميادين ثم دير الزور، ويتفرع هناك إلى طريقين، أحدهما نحو حلب واللاذقية على البحر المتوسط، والثاني يتجه جنوباً، مروراً ببلدتي كباجب والسخنة بالبادية السورية، ثم مدينة تدمر، ومنها يتفرع بطريقين، أحدهما نحو الفرقلس ثم مدينة حمص، والثاني يتجه نحو القلمون الشرقي بريف دمشق، وصولاً إلى العاصمة السورية، حيث يرتبط بالطرقات الدولية التي تصل دمشق بلبنان، وبجنوب سورية.
ونشر موقع “imagesatintl” الإسرائيلي صور أقمار صناعية حديثة لمعبر بري جديد يعمل النظام السوري والعراق على تجهيزه من أجل افتتاحه ، وبحسب الصور التي نشرها الموقع، يوم الخميس الـ25 من تموز /يوليو الحالي، فإن المعبر الجديد يتم بناؤه بمرافق وفق معايير مماثلة لتلك الموجودة في المعابر الحدودية الدولية، ويجهز المعبر الجديد خارج مدينة البوكمال على عكس المعبر القديم الذي كان يمر منها، ويبعد المعبر الجديد مسافة 2.6 كيلومتر عن القديم، الذي لا يزال مصيره غير واضح، في حين توقع الموقع الإسرائيلي أن تكون هناك خطط لاستخدامه كمعبر إضافي أو بديل.
ونظرًا لأهمية هذه الخطوة المهمة في تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين العراق وسوريا، إلا أن الحكومة العراقية تتعرض لضغوط شديدة وكبيرة من قبل إيران التي تسعى في تعجيل افتتاح المنفذ الحدودي، والولايات المتحدة الأمريكية التي ترفض ذلك، وهذه الضغوط جعلت الحكومة العراقية في حيرة من أمرها ، إذ كيف يمكن لها أن توفق بين الموقفين المتناقضين ، لا شك أنها مهمة صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة.
تحمل خطوة فتح المعبر أهمية للبلدان الثلاث “إيران وسوريا والعراق”، فهي تشكل مكانة استثنائية لطهران، التي تواجه حزمة العقوبات الأميركية الثانية، التي دخلت حيز التنفيذ في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وشملت قطاعي النفط والمصارف بصورة رئيسية، وتعمل طهران على فتح متنفسٍ لها من هذه العقوبات، عبر البلدان التي لها نفوذٌ في الشرق الأوسط، وتحديداً العراق، على الرغم من أن الأخير أعلن رسمياً، في أغسطس/ آب الماضي، على لسان رئيس وزرائه السابق، حيدر العبادي، أنه “من حيث المبدأ، نحن ضد العقوبات في المنطقة، لكننا سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا”.
لاشك أن فتح الحدود العراقية – السورية يعود بالنفع الكبير لإيران وحليفها النظام السوري، فاقتصاديّا ، قد تستخدم إيران هذا المعبر بالتعاون مع العراق وسوريا في التخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فمن خلاله تستطيع إيران تهريب النفط وجميع مشتقاته، وبذلك تستطيع الحصول على جزء من الأموال اللازمة للحد من تأثير العقوبات الاقتصادية عليها، ومن خلاله أيضًا تستطيع إيران أن ترسل لحليفها في سوريا والآخر حزب الله في لبنان كل ما يحتاجونه من دعم عسكري، ويسهل افتتاح هذا المعبر أيضًا، لقاسم سليماني سهولة الحركة والتنقل من إيران مرورًا بالعراق وصولًا إلى سوريا لمتابعة المجموعات المسلحة التابعة لها، وهذا يعني بمعنى أو آخر الالتفاف على سياسة العقوبات الأمريكية على إيران والتي لغاية الآن أثبتت نجاحها في المجالات البحرية المختلفة، فعدم فتح معبر البوكمال الحدودي يعني بالنسبة لإدارة الرئيس الامريكي دونالد ترمب، المزيد من عزل إيران إقليميا ودوليّا.
ويشاطر الموقف الأمريكي هذا، الدول العربية وإسرائيل، إذ تتخوفان من إعادة فتح معبر البوكمال لأن فتحه بمثابة طوق نجاة لكل من إيران وسوريا، وعدم فتحه بالنسبة لسوريا يعني المزيد من تضييق الخناق عليها، لأنه ليس أمامها وأمام إيران سوى الطريق البري للتواصل بينهما بعد الرقابة الأمريكية والغربية الجوية والبحرية عليهما.
لذلك تعمل إيران جاهدة على الحفاظ على معبر البوكمال الحدودي تحت سيطرتها، بهدف تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط والتخفيف من حدّة تأثير العقوبات الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: كيف سيكون رد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الرسالة السياسية والعسكرية والاقتصادية من فتح معبر البوكمال؟

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية