تتوإلى مواقف حكومة بغداد المصرة على الاصطفاف والتحالف مع طهران على حساب علاقتها مع واشنطن التي ردت بتنفيذ سلسلة عقوبات ضد شخصيات عراقية مقربة من إيران، مع توقع ممارسة ضغوط أخرى ضد التحالف العراقي الإيراني.
ففي تحد جديد للعقوبات الأمريكية على إيران، أكد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خلال زيارة سريعة إلى طهران، عدم التزام بغداد بالعقوبات الأمريكية على إيران وان حكومته “لم ولن تكون جزءاً من العقوبات على إيران” مشددا على تعزيز تحالفات حكومته مع طهران والتنسيق بينهما حول تطورات الأوضاع في المنطقة. إلا أن تقارير صحافية أجنبية أشارت إلى وساطة يقوم بها عبد المهدي لنزع فتيل أزمة خطيرة بين إيران والعالم الغربي على خلفية تهديد طهران لحرية الملاحة في الخليج العربي عقب احتجازها ناقلة نفط بريطانية، خاصة ان الزيارة جاءت بالتزامن مع مساع أمريكية لتشكيل تحالف دولي جديد لتأمين الملاحة في مضيق هرمز. ولعل توقيت زيارة عبد المهدي المفاجئة إلى طهران بعد إعلانه تأجيل زيارته إلى واشنطن مرتين بسبب عدم الاتفاق على الموعد، له مغزى غير خفي.
وفي تطورات ذات صلة بالأوضاع الداخلية العراقية وامتداداتها الخارجية، جاءت الغارة المجهولة على معسكر للحشد الشعبي في آمرلي شمال بغداد، والتي تضاربت المعلومات حولها بين تصريحات حكومية غامضة عن الجهة التي نفذتها، وبين اتهامات فصائل مسلحة بوقوف الولايات المتحدة وإسرائيل خلفها لاستهداف الحشد الشعبي، أنها بداية المواجهة بين الطرفين.
وقد تهرب عبد المهدي خلال لقائه ببعض الصحافيين، من تحديد الجهة التي قصفت معسكر الحشد وركز على التشكيك بالروايات الصحافية عن الحادث ومنها التقارير التي حملت إسرائيل مسؤولية الهجوم على المقر، واصفا اياها بانها “ليست دقيقة” من دون ان يبين ما حدث هناك بالفعل، إلا أن مصادر عديدة أكدت وقوع الغارة، أبرزها إعلان خلية الإعلام الأمني (الرسمية) عن إصابة عنصرين من الحشد الشعبي بقصف من طائرة مجهولة لمعسكر في قضاء آمرلي في محافظة صلاح الدين. كما أكد المتحدث باسم قيادة عمليات صلاح الدين للحشد الشعبي مشتاق طالب ان “الحشد الشعبي تعرض لضربات عديدة وسيتم التعامل هذه المرة بشكل مختلف”.
وقد وصف النائب عن كتلة بدر حامد الموسوي، ما حصل بأن “الحرب مع إسرائيل آتية” مؤكدا أن “الصراع الأمريكي الإيراني بلغ أشده وأصبح خطرا على المنطقة” بينما أعلن الأمين العام لمجلس العشائر العربية في المناطق المتنازع عليها، ثائر البياتي، إن “المعسكر كان يضم صواريخ باليستية تم نقلها من إيران مؤخراً، فضلا عن عناصر من حزب الله والحرس الثوري وأسفر عن مقتل بعضهم”.
واعتبرت بعض القوى السياسية والمحللين بان الغارة هي بداية لسيناريو إسرائيلي مشابه لما تقوم به من تنفيذ غارات على مواقع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والشيعية هناك، خاصة ان بعض قادة إسرائيل حذروا بأنهم لن يسمحوا بإقامة قواعد صواريخ للميليشيات الإيرانية في العراق قد تكون إسرائيل أحد أهدافها. ولا يستبعد الكثيرون قيام بعض الفصائل الموالية لإيران، بتخزين صواريخ في معسكراتها قد تستخدمها إذا اندلع نزاع أمريكي إيراني. وقد تعززت هذه المخاوف عندما بدى عبد المهدي متضايقا من الحاح بعض الصحافيين في اسئلتهم حول قدرة حكومته على لجم الميليشيات المنفلتة التي جاهرت بعدم الخضوع للحكومة، مكتفيا بالحديث العام عن ضرورة فرض سلطة الحكومة وحصر السلاح بيدها، مع تشديده ان الحشد الشعبي لن يتم حله أو دمجه في القوات المسلحة كالجيش والشرطة، بل سيبقى كيانا مستقلا له خصوصيته، وهي النقطة التي تعزز مخاوف جهات عديدة محلية وإقليمية ودولية، من استمرار دور فصائل الحشد وولاءاتها المعروفة وعدم قدرة الحكومة على لجمها أو السيطرة عليها جميعها.
وليس بعيدا عن الأمر، جاءت عقوبات أمريكية ضد شخصيات عراقية مقربة من إيران بعضها قادة في الحشد الشعبي، بتهم الفساد وانتهاك حقوق الإنسان لتعزز القناعة بان الصراع الأمريكي الإيراني على الساحة العراقية، سيكون له أوجه متعددة، كما عكست نوايا أمريكية للتدخل بشكل أكبر في الشأن العراقي للحد من النفوذ الإيراني فيه.
وقد تباينت ردود الأفعال على تلك العقوبات التي يتوقع شمول شخصيات أخرى بها، بين سكوت الحكومة العراقية واكتفاء عبد المهدي بالإشارة إلى “مراقبة حكومته لتلك التحركات وأحالتها ملف العقوبات الأمريكية، على مستشاريه القانونيين للبت بها” وبين رفض القوى السياسية وخاصة الشيعية منها، لتلك العقوبات التي عدتها انتهاكا للسيادة العراقية واستهدافا لقادة الحشد الشعبي، وأنها تهدف لإعادة صياغة التحالفات السياسية في العملية السياسية، كما ظهرت دعوات للحكومة العراقية للطعن بالعقوبات عبر الوسائل القانونية.
والمؤكد ان التهديدات باستهداف معسكرات الحشد الشعبي، والعقوبات الأمريكية على مسؤولين مقربين من إيران والتلويح الأمريكي برفع العراق من استثناءات العقوبات على إيران، إضافة إلى انسحاب القوات الأمريكية مؤخرا من منطقة القائم المتوترة على الحدود السورية، وغيرها من الإجراءات، هي رسائل أمريكية إلى حكومة بغداد، تؤكد رفضها استمرار هيمنة إيران على شؤون البلاد، واستعداد الولايات المتحدة وحلفاءها لإتخاذ المزيد من الإجراءات لتحقيق هذا الهدف.
القدس العربي