تباينت آراء الخبراء حول التداعيات المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد المصري حال اندلاع حرب في منطقة الخليج العربي، نتيجة التصعيد المتبادل بين إيران من جانب، والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا من جانب آخر.
المحللون استبعدوا، في تصريحاتهم إلى “إندبندنت عربية”، اندلاع حرب في المنطقة، مبررين ذلك بامتلاك دول الصراع الأسلحة النووية، لكنهم أكدوا في الوقت ذاته التأثير السلبي في أسعار النفط وفرص نمو الاقتصاد محلياً وإقليمياً وعالمياً.
في البداية يقول الدكتور إبراهيم زهران الخبير بمجال البترول، “الأزمة القائمة لم تؤثر بشكل كبير في الأوضاع بدول الخليج العربي، والأسعار لن ترتفع بشكل كبير، لأن رفع سعر النفط ليس هدفاً لأي دولة بالمنطقة حالياً”.
وأضاف، “الأسعار ربما تتأثر بشكل قليل ولمدة قصيرة ومؤقتة، وهو ما يرفع السعر ويؤثر في موازنة الدول المُستورِدة النفط والغاز الطبيعي، ومنها مصر باعتبارها دولة مستوردة”.
سوق النفط تتأثر
مصدرٌ بقطاع البترول، فضَّل عدم ذكر اسمه، قال إن “الأزمة ستؤثر في سوق النفط”، موضحاً أن “مضيق هرمز مهم، ويمثل 28% من تجارة النفط، وهي منطقة شائكة جداً، وأي توتر بها يؤثر سلباً في اقتصاد دول أوروبا، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي يستغل نحو 9% من الغاز الطبيعي في هذه المنطقة، وهو ما سيحول دون تصاعد الأزمة”.
ولفت إلى أن “الأزمة ربما يكون لها انعكاسٌ إيجابيٌّ على الاقتصاد المصري”، مفسراً ذلك بأنها ربما “تسهم في زيادة مرور السفن في قناة السويس من أجل الابتعاد عن مناطق التوتر، باعتبار أن القناة ستكون الطريق الأسرع والأكثر ضماناً، وهو ما يجعل دول الخليج العربي تفكّر في سحب خطوطها من الملاحة البحرية في مضيق هرمز، والتوجه إلى الإمدادات الأرضية على البحر الأحمر، ما يؤثر على دور المنطقة في النقل وقصرها فقط على دول قطر وإيران”.
وحول تداعيات ذلك على أسعار النفط قال “ستؤثر تأثيراً طفيفاً على الأسعار بسبب الشد والجذب بين الأطراف المتصارعة على المضيق، وتتراوح نسبة الارتفاع من 3.5 دولار إلى 5 دولارات للبرميل”.
ضغوط الموازنة المصرية
ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن البنك الدولي بعنوان “المرصد المصري” فإنه توجد “مخاطر ربما تؤثر في الاقتصاد المصري”.
وأكد التقرير أن “مصر لا تزال معرضةً لتأثيرات تباطؤ وتيرة النمو العالمي والصدمات الإقليمية، وما يرتبط بها بذلك من تذبذب تدفقات رأس المال”.
وأضاف البنك الدولي، “يوجد احتمال زيادة حدة التوترات الجيوسياسية الإقليمية، وما يرتبط بها من زعزعة الاستقرار بالمنطقة، بما يهدد أيضاً بزيادة الضغوط الصعوديَّة لأسعار النفط العالمية، ما قد يمثل ضغوطاً إضافية على أهداف المالية العامة للموازنة المصرية”.
وخلال الأيام القليلة الماضية ارتفعت أسعار النفط وسط زيادة التوترات في الشرق الأوسط عقب احتجاز إيران ناقلة بريطانية خلال الشهر الحالي وفقاً للوكالات العالمية، وزادت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 51 سنتاً أو 0.8% إلى 62.98 دولار للبرميل، بعدما لامس 63.47 دولار في وقت سابق، بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط 15 سنتاً أو 0.3% إلى 55.78 دولار، وتراجع الخام الأميركي أكثر من 7%، وانخفض برنت أكثر من 6% الأسبوع الماضي.
عضو اللجنة الاقتصاديَّة بمجلس النواب بسنت فهمي، قالت إنه “مما لا شك فيه أن التوتر السياسي بمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط له تأثيرٌ سلبيٌّ في الاقتصاد العالمي عموماً، والاقتصاد العربي والمصري خصوصاً”.
وأوضحت، أن “التوتر في الخليج والتداعيات الخطيرة التي حدثت في الأيام الأخيرة التي شهدت احتجاز ناقلة نفط بريطانية، ثم احتجاز أخرى جزائرية قبل إفراج الحرس الثوري الإيراني عنها، سترفع من أسعار النفط عالمياً، ما سيكون لها بالغ الأثر في الموازنة العامة المصرية”.
واستبعدت بسنت اندلاع حرب في الخليج العربي نتيجة توترات الساعات الأخيرة، قائلة “ستكون حرباً نووية مدمرة، سيخسر فيها الجميع”.
التسعير التلقائي وارتفاع النفط
ووفقاً لبيانات الموازنة العامة للدولة قدرت وزارة المالية متوسط سعر برميل النفط عند 68 دولاراً مع تفعيل آلية التسعير التلقائي أسعار (بنزين 95) مع اتجاه إلى تنفيذ تلك الآلية على باقي المنتجات البترولية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتقدّر وزارة المالية كل دولار زيادة في سعر البرميل على السعر المقدر له في الموازنة الجديدة، بأنه سيضيف تكلفة إضافيَّة على الحكومة بقيمة 2.3 مليار جنيه (140 مليون دولار أميركي).
الحرب التجارية أشد وطأة
المستشار السابق لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية والخبير الاقتصادي السفير جمال بيومي يرى أن التصعيد المتبادل بين إيران من جانب والولايات المتحدة الأميركية والسعودية وبريطانيا من جانب آخر له “تأثيرٌ مباشرٌ على ارتفاع أسعار النفط عالمياً”.
وأضاف، “المستفيد الأول من ارتفاع التصعيد والتوتر السياسي والعسكري هم اللاعبون في أسواق السلاح نتيجة تكالب جميع دول المنطقة على شراء السلاح بكل أنواعه للحماية والتأمين والدفاع عن النفس”.
واستبعد بيومي اندلاع حرب حالياً، مؤكداً أن “دول الصراع الدائر تمتلك أسلحة نووية، وجميعهم يعلمون أن اندلاع حرب بمثل هذا النوع ستبيد الجميع، ولذلك لا خوف من اندلاعها”.
وقال “لا أخشى من اندلاع حرب في الخليج بقدر ما أخشى من الحرب التجارية الدائرة الآن”، موضحاً “الصين هي أكبر مستورد بالعالم، وفي حالة استمرار الحرب التجارية ستتقلص فرص نمو التجارة عالمياً، ما سيكون له بالغ الأثر في دول المنطقة، وبشكل خاص مصر التي تعتمد على التجارة العالميَّة في حصيلة هيئة قناة السويس أحد أكبر مصادر تمويل الموازنة المصرية”.
بداية الصراع
يذكر أن التوتر في الخليج بدأ يلوح في الأفق مع انسحاب الولايات المتحدة في عام 2018 من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية، لتنهي أميركا الاستثناءات التي كانت تسمح لبعض المستوردين الآسيويين بالأساس بمواصلة شراء النفط الخام الإيراني.
التوتر أخذ منعطفاً آخر في مايو (أيار) الماضي بين إيران من جانب والولايات المتحدة الأميركية والغرب من جانب آخر، وبدأ في تصدر المشهد العالمي مع بدء سريان العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية بشكل كامل.
وفي الخامس من مايو (أيار) حذَّرت الولايات المتحدة الأميركية إيران، وأعلنت نيتها إرسال مجموعة هجوميَّة تضم حاملة طائرات وقاذفات إلى الشرق الأوسط، ردّاً على ما وصفته بالتهديدات الإيرانية.
الرد الإيراني جاء سريعاً، وبعد 3 أيام فقط، إذ أعلنت طهران تخففها من بعض القيود المفروضة على برنامجها النووي من دون أن تصل إلى حد انتهاك الاتفاق المبرم مع القوى العالمية، لكنها هددت بخطوات أخرى إذا لم توفّر الدول الموقّعة على الاتفاق الحماية لها من العقوبات الأميركية.
الصراع أخذ منعطفاً آخر أكثر خطورة، إذ حذَّرت الإدارة البحرية الأميركية بعد 48 ساعة فقط من هجمات إيرانية محتملة على حركة الملاحة في الخليج.
وفي 12 مايو (أيار) حدث ما حذرت منه البحرية الأميركية، وتعرضت 4 سفن، من بينها ناقلتان سعوديتان، لهجوم في الخليج خارج مضيق هرمز، وحمَّل المسؤولون الأميركيون إيران مسؤولية الهجوم، وهو ما نفته الأخيرة تماماً.
وبعد نحو شهر من الهدوء الحذر اتهمت واشنطن إيران مجدداً بعد تعرض ناقلتي نفط للهجوم جنوبي مضيق هرمز، وهو ما نفته الأخيرة أيضاً، وتصاعد التوتر ليصل ذروته في 20 يونيو (حزيران) بعد إسقاط طهران طائرة استطلاع أميركية.
اتسع الصراع في 4 يوليو (تموز) الحالي بدخول بريطانيا المعركة باحتجاز البحرية الملكية البريطانية الناقلة الإيرانية العملاقة “غريس 1” قرب جبل طارق للاشتباه في انتهاكها عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا، وهدد في اليوم التالي قائد في “الحرس الثوري” الإيراني باحتجاز سفينة بريطانية، ما لم يتم الإفراج عن “غريس 1”.
وفي 7 يوليو (تموز) أعلنت إيران أنها بصدد رفع مستوى تخصيب اليورانيوم فوق الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي لعام 2015، وستقلل التزاماتها بمقتضى الاتفاق، ما دفع بالرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إطلاق تحذير، وأبدت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قلقها من ذلك.
ورداً على احتجاز “غريس 1” الناقلة العملاقة الإيرانية احتجزت إيران في 19 يوليو (تموز) ناقلتي النفط “ستينا إمبيرو” و”إم في مصدر” اللتين تديرهما شركتان بريطانيتان.
اندبندت