الحرب على النفط… تناقض السياسات ونتائج مفاجئة!

الحرب على النفط… تناقض السياسات ونتائج مفاجئة!

نتج من العداء الشديد للوقود الأحفوري بشكل عام والنفط بشكل خاص تبني صنّاع القرار في الدول الغربية سياسات تبدو للوهلة الأولى صحيحة، ولكنها في النهاية تتعارض مع أهدافها الأساسية، وأحياناً مدمرة. دخل النفط معترك السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا منذ زمن بعيد بحجة الأمن القومي، إلا أن الأمر تطور مع الزمن ليشمل العداء كل الأطراف السياسية.

فقد ربط الجمهوريون النفط بالإرهاب، وبالتالي فإن محاربة الإرهاب، في نظرهم، تتطلب وقف الاعتماد على النفط، أما الديمقراطيون فهو يرون أن التغير المناخي سببه النفط، وبالتالي فإن محاربة التغير المناخي تتطلب وقف الاعتماد على النفط، وهناك فئة ثالثة مثقفة ربطت بين النفط والدكتاتورية، وبالتالي فإن محاربة الدكتاتورية تقتضي وقف الاعتماد على النفط.
هل يتخلى ترمب عن حماية مضيق هرمز بسبب ثورة الصخري؟
هكذا يجري تسطيح كل القضايا العالمية الأساسية بهدف الترويج لسياسات معينة، إلا أن أغلبها يتعلق بإعادة انتحاب السياسيين الذي يروجون لها. مقال اليوم يركّز على هذه الفكرة ويوضح تناقض هذه السياسات مع أهدافها المعلنة.

منذ سنوات عدة، كان البنزين في الولايات المتحدة يُخلط بمادة نفطية اسمها “أم تي بي إي” بعد قرار إلغاء مادة “الرصاص” منه لزيادة كمية الطاقة فيه. ثم زادت النسبة في ما بعد لأسباب بيئية بحتة، وكانت هذه المادة تستورد من السعودية. ولكن اكتشاف أن الإيثانول، وهو سائل يستخرج من الذرة، يمكن أن يحل محلها، جعل مندوبي الولايات الزراعية في الكونغرس يدعمون قوانين تلغي مادة “إم تي بي إي” لصالح الإيثانول، بحجة التسريب من خزانات محطات البنزين وتلوث المياه الجوفية بهذه المادة.

إذا كانت الحجة صحيحة، فالأولى هو تصليح الخزانات وإيقاف التسرب، خصوصاً إن كمية الطاقة في الإيثانول أقلّ، ولكن هدفهم في النهاية هو الحصول على دعم المزارعين في ولاياتهم كي ينجحوا في الانتخابات في الدورات المقبلة، وهذا ما جرى فعلاً، إذ أُلغيت مادة “إم تي بي إي” وجرى تبني الإيثانول، ودُعم حكومياً، وحقق المزارعون والشركات الزراعية والمصنعة أرباحاً طائلة من هذه الإعانات.

المشكلة أن زارعة الذرة كثيفة المياه، وعملية تصنيع الإيثانول كثيفة المياه أيضاً، وهو أمر لا يتناسب مع حماية البيئة، والأمر الآخر أن زراعة الذرة وزيادة إنتاجيتها تتطلب أمرين، سماداً كيماوياً بكميات ضخمة، ومكننة على مستوى واسع، وكلاهما يحتاج للنفط والغاز، وهذا لا يتناسب مع حماية البيئة أيضاً. مع الزمن، كبرت صناعة الإيثانول، وأصبح لها دور كبير في بعض المناطق، كما تكوّن لها لوبي قويّ في واشنطن، وحجتهم الأساسية والدائمة: “حماية البيئة”.

هم بهذه الطريقة ضمنوا دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الجمهوريون يريدون دعم المزارعين، والديمقراطيون يريدون دعم حماة البيئة. وفي الوقت نفسه، نمت صناعة في ظلها تركّز على إنتاج “الديزل الحيوي” والذي ينتج بطرق مختلفة من نباتات عدة، إلا أن هذه الصناعة ما زالت صغيرة مقارنة بحجم صناعة الإيثانول.

ما سبق، كان المقدمة، وليس النقطة الأساسية في المقال، النقطة الأساسية هي ما يلي: في انتخابات 2020 الرئاسية والكونغرس ومجلس الشيوخ، هناك مأزق كبير للجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء يتعلق بهذا الموضوع: الديمقراطيون، مدعومون من حماة البيئة وصناعة السيارات الكهربائية، يشجعون السيارات الكهربائية ويريدون استمرار الدعم الحكومي لها بحجة حماية البيئة، ولكن زيادة عدد السيارات الكهربائية يعني انخفاض الطلب على البنزين والديزل، وانخفاض الطلب عليهما يعني انخفاض الطلب على الإيثانول والديزل الحيوي! فكيف يوفقون بين السياستين؟

الجمهوريون، مدعومون باللوبي الزراعي، يريدون زيادة استخدام الإيثانول، إلا أن شركات النفط الداعمة لهم أيضاً تعارض ذلك، كما أن أصدقاء ترمب من ملّاك المصافي يعارضون ذلك أيضاً، فكيف يوفقون بين الاثنين؟ المثير في الأمر أن السيارات الكهربائية تتركز في المدن، بينما المستفيدون من قرارات الإيثانول في الريف، وأغلب سكان المدن يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي، بينما يصوت سكان الريف لصالح الحزب الجمهوري، فكيف ستكون محصلة هذا التعارض؟

دعم الوقود الحيوي عالمياً

كبرت صناعة الوقود الحيوي العالمية بشكل كبير في السنوات الأخيرة حتى اقتربت حالياً من 200 مليار دولار، وتلقى تشجيعاً كبيراً من الحكومات وصنّاع القرار وبعض حماة البيئة، ويشمل الوقود الحيوي الإيثانول من الذرة، وأغلب إنتاجه في الولايات المتحدة، والإيثانول من قصب السكر، وأغلب إنتاجه في البرازيل، والديزل الحيوي الذي ينتج من مصادر زراعية عدة أهمها زيت النخيل في بعض الدول الآسيوية، كما يشمل الوقود الحيوي حرق المخلّفات النباتية لتوليد الطاقة، وكل هذا الإنتاج للوقود الحيوي جرى بحجة حماية البيئة.

إلا أن التشجيع والإعانات الحكومية جعلت المزارعين والشركات الزراعية تتوسّع في زراعتها قصب السكر والنخيل وغيرهما على حسابات الغابات، بما فيها غابات الأمازون التي يعتبرها البعض الرئة الأخيرة للعالم! باختصار، بحجة البيئة، يدمّرون البيئة! خلاصة القول، لا أحد ينكر الأثر السلبي للوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط، في البيئة، ولكن من غير المنطقي محاربة النفط بحجة حماية البيئة، وتقديم بديل يدمر البيئة أكثر من النفط.

ما سبق لا ينطبق فقط على الوقود الحيوي، وإنما يمتدّ أيضاً إلى مصادر طاقة متجددة عدة، لهذا فإن ما يسمى “ضريبة الكربون” يجب ألا تكون فقط على انبعاثات الكربون، وإنما أيضاً على كمية الكربون التي كانت ستمتصّها الغابات التي قطعت! وسيبيّن لنا الزمن كيف سيرضي الساسة الأميركيون المزارعين، في وقت يشجعون فيه السيارات الكهربائية!

اندبندت