يومًا بعد يوم تستمر الطائرات الإسرائيلية بخرق الأجواء السورية لضرب الوجود الإيراني، ولا يقتصر الأمر على سوريا، بل يبدو أن عيون القادة في تل أبيب باتت تتوجه نحو الأجواء العراقية لذات السبب.
إذ يعتقد الإسرائيليون أن إيران التي لا ترد على غاراتهم في سوريا تعمل مع وكلائها من الميليشيات الشيعية العراقية على بسط نفوذ عسكري قد يهدد وجودهم، وتتوالى القرائن الغربية على أن إيران وضعت صواريخ وصنعت أخرى في العراق من باب توازن القوى الذي تنتهجه، ولتفادي ما فُرض عليها من تقييد في سوريا.
في العام 2015 كشف عن إرسال إيران شحنة من الصواريخ والقذائف الصاروخية المتطورة إلى العراق، في اطار دعمها للمعركة ضد داعش الإرهابي، وقد أدخلت هذه الصواريخ مستوى جديًا من التسلح المتقدم إلى أرض المعركة في العراق.
لكن الأخطر كان ما كشفه تحقيق لوكالة «رويترز» البريطانية نشر في آب/ أغسطس آب 2018، حول قيام طهران بإرسال صواريخ باليستية للميليشيات الشيعية العراقية، تحمل مسميات إيرانية هي «زلزال» و«فاتح 110» و«ذو الفقار»، ويتراوح مداها بين نحو 200 و700 كيلومتر، مما «يضع الرياض في السعودية وتل أبيب في إسرائيل على مسافة تتيح ضربهما إن تم نشر هذه الصواريخ في جنوب العراق أو غربه» حسب «رويترز».
وبحسب التحليلات الأمنية الغربية والإسرائيلية تقوم إيران بدفع عمليات إنتاج صواريخ في العراق بعد أن دربت عراقيين على كيفية استخدام الصواريخ، حيث تُقام المصانع المستخدمة في تطوير صواريخ بالعراق في جرف الصخر شمالي كربلاء و يوجد مصنع في كردستان العراق، أما المصنع الذي يوجد في الزعفرانية شرقي بغداد والذي أنتج رؤوسًا حربية ومادة السيراميك المستخدمة في صنع قوالب الصواريخ في عهد النظام العراقي السابق، فقد جدد إنتاجه عام 2016 بمساعدة إيرانية.
وترى هذه التحليلات أن الحكومات العراقية المتعاقبة على علم بتدفق الصواريخ الإيرانية لجماعات مسلحة شيعية للمساعدة في محاربة متشددي تنظيم داعش الارهابي، لكن الشحنات استمرت في الوصول بعد هزيمته، وتقول تلك التحليلات أن تلك الترسانة من الصواريخ والتي مصدرها إيران لم تكن لغرض محاربة داعش الارهابي لكنها ورقة ضغط تستخدمها إيران عندما تدخل في صراع إقليمي.
ولا تخفي إيران هدفها بشق ممر بري عبر العراق وسوريا تستخدمه في نزاعها مع أعدائها الإقليميين، ولذلك هي تتخذ العراق كطريق لتمرير الأسلحة في اتجاه الحدود اللبنانية السورية مع إسرائيل، وبحسب التحليلات السياسية الغربية أن الجسر البري الإيراني الذي يمتد إلى سوريا جزء من مشروع الهلال الشيعي الذي تسعى إيران إلى إنشائه في المنطقة، كما أنه امتداد لنفوذ إيران في العالم العربي، وإنه ومنذ فترة طويلة، كانت إسرائيل والعائلات الحاكمة في الدول العربية ترى الهلال الشيعي بمثابة رؤية مرعبة للمستقبل، وخلال الأشهر القليلة الماضية، انقشع الضباب وتحولت الرؤية إلى واقع ملموس.
ويتضح أن ما زاد من الحرص الإيراني على نقل الصواريخ للعراق هو استمرار الهجمات الإسرائيلية على القواعد الإيرانية في سوريا، فصعوبة العمل ضد إسرائيل في سوريا، وتأثير النشاط الإسرائيلي لمنع إيران من التموضع عسكريًا في سوريا دفعا طهران للتركيز على وضع الأسلحة في العراق، فخلال الأشهر الماضية زاد النشاط الإيراني في إنشاء جسر بري، ينطلق من الحدود الإيرانية ويمر وسط العراق إلى داخل سوريا، ومثل هذا الطريق البري ميزة استراتيجية هامة، إذ أن إيران كانت تضطر سابقًا إلى نقل أسلحتها أولاً إلى ميليشيات حزب الله في لبنان والميليشيات الأخرى التابعة لها، ومن ثمّ تصل هذه الأسلحة إلى قواعدها العسكرية في سوريا بالطائرات. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل يشكل الوجود الإيراني -من المنظور الإسرائيلي – في العراق خطرًا على إسرائيل؟
في تقدير الاستخبارات الإسرائيلية عام 2017، جاء أن إيران تجد صعوبة حقيقية في التمركز العسكري في سوريا، لكنها لم تتنازل بعد عن نيتها في “خلق هيمنة إقليمية بواسطة تحالفات تمتد من إيران ومروراً بالعراق وسوريا وانتهاء بلبنان”. مع ذلك، أوضحت تلك التقديرات الأمنية بأن “إيران اضطرت إلى إعادة حساباتها من جديد بشأن النهج الذي تحاول فيه تحقيق حلمها في المنطقة”. واعتقدت إيران في إطار إعادة الحسابات أن الوضع في العراق يمنحها فرصة أفضل لتحقيق خططها في المنطقة.
وذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، أنّ جهات في جهاز الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، تعتبر أن الوجود الإيراني في العراق يشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي.وبحسب هذه المصادر، فإنّ إيران تنقل أسلحة متطورة وصواريخ يتراوح مداها بين 200 و700 كم، قادرة على الوصول إلى كل نقطة في إسرائيل، وهي صواريخ دقيقة الإصابة وأكثر دقة وتطوراً من الأسلحة والصواريخ الموجودة بحوزة “حزب الله” في لبنان. ووفقاً لهذه التقديرات، فإنّ إيران تنقل هذه الصواريخ إلى مناطق في شمالي العراق، ومن شأنها أيضاً أن تنقل مثل هذه الصواريخ إلى كل من سورية ولبنان. وكانت تقارير إسرائيلية سابقة زعمت أنّ إيران قد تنقل الأسلحة المتطورة إلى لبنان من خلال الطرق المائية، عبر البحر.
وتواصل إسرائيل التصعيد في لهجة خطابها ضد إيران، والتهويل من الخطر الذي تشكله إيران للأمن الإسرائيلي، حتى من خلال وجودها على الأراضي العراقية، بعد أن شنت إسرائيل في الأعوام الثلاثة الأخيرة مئات الهجمات والغارات على شحنات السلاح الإيرانية الموجهة لـ”حزب الله”، على الأراضي السورية، إلى جانب قصف مواقع إيرانية في سورية. ومع شنّ إسرائيل الأسبوع الماضي، وفقاً لتقديرات مختلفة، بينها لرئيس مركز أبحاث الأمن القومي، الجنرال عاموس يدلين، غارة على أهداف إيرانية في العراق، واصلت الجهات الإسرائيلية الزعم أنّ إيران تسعى لاستغلال الأراضي العراقية، عبر تعزيز وجود مليشيات شيعية تابعة لها، لنقطة انطلاق لتوجيه ضربات صاروخية ضد إسرائيل في حال اندلاع مواجهة بين الطرفين. وكانت تقارير، أفادت بتنفيذ إسرائيل غارتين خلال الأيام الماضية، على مخزن للصواريخ الباليستية شمالي بغداد.
في هذه المرحلة، تحافظ إسرائيل على الصمت في كل ما يتعلق بما يحدث في العراق باستثناء فيلم قصير نشره حزب الليكود، يَظهر فيه خطاب قديم لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، قال فيه: “سنعمل ضدكم في العراق وسنعمل ضدكم في أي مكان من أجل الدفاع عن شعبنا”. الفيلم القصير نشر مرة أخرى بعد ثلاثة أيام على الهجوم الذي وقع قبل أسبوعين على قاعدة في محافظة صلاح الدين في العراق والذي قتل فيه مقاتلون إيرانيون. هكذا يمكن أن نفهم ذلك كرمز بأن إسرائيل هي التي تقف كما يبدو وراء الهجوم الأخير.
وترى التحليلات الإسرائيلية حرية عمل إسرائيل في العراق تختلف عن حرية عملها في سوريا. صحيح أن إسرائيل تملك قدرات عملياتية لمهاجمة العراق، لكن من شأنها أن تتصادم بمشكلة من قبل الولايات المتحدة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معني بإعادة الهدوء إلى العراق في أسرع وقت. وكل هجوم في العراق يهز الاستقرار ويبعد المستثمرين الأجانب والدول المستعدة لتعزيز اقتصاد العراق. لهذا السبب يعد العراق الدولة الوحيدة التي يغمض ترامب عينيه عنها في الوقت الذي تحافظ فيه على الاتجار مع إيران رغم العقوبات. مؤخراً، زادت طائرات التجسس الأمريكية نشاطها في منطقة الحدود بين العراق وسوريا. وربما هذه هي الطريقة الأمريكية من أجل التوضيح لإسرائيل بأنهم سيزيدون الرقابة على ما يحدث في المنطقة وعلى مرور وسائل قتالية متطورة لحزب الله والمليشيات في العراق وسوريا. إضافة إلى ذلك، ربما بدأت الولايات المتحدة في العمل ضد التمركز الإيراني في العراق خشية من أن تتضرر هي نفسها في المستقبل من المليشيات الشيعية.
وترى تلك التحليلات أيضًا المليشيات الشيعية في العراق هي اللبنة الثانية لتمركز إيران في الدولة، إضافة إلى نظام الصواريخ. الوضع الاقتصادي الصعب والتطرف الديني في الدول العربية مكنت إيران من تجنيد متطوعين للمليشيات بالدعم والتمويل. عن طريق استخدام المليشيات، يمكن لإيران تنفيذ نشاطات عسكرية دون تحمل المسؤولية عن ذلك. ارتبطت إيران بالمليشيات في العراق في الثمانينيات والتسعينيات، لكن قوتها العسكرية أصبحت مهمة أكثر مع التطور التكنولوجي وتعزيز القوة السياسية لهذه المليشيات. الإيرانيون يمنحون هذه القوات الدعم العسكري والاقتصادي واللوجستي والروحي والديني أيضاً. في المقابل، ستقف المليشيات إلى جانب إيران حسب الطلب. وحسب مصدر أمني كبير في إسرائيل فإن هذه المليشيات ستصل إلى حدود لبنان وسوريا للمشاركة في القتال ضد إسرائيل. ومؤخراً، تناول هذا الموضوع أيضاً معهد “دادو”، وهو مركز المعلومات للجيش الإسرائيلي، الذي ظهر في أبحاثه أنه يجب على إسرائيل أن تركز على أهمية المليشيات في القتال. فاسرائيل ترى أنّ إيران تستغل مليشيات شيعية تابعة لها على الأراضي العراقية، لتنفيذ عمليات مختلفة، من دون أن تكون إيران مضطرة للاعتراف بالمسؤولية عنها، ومن شأن إيران الدفع بهذه المليشيات إلى سورية ولبنان وتفعيلها ضد إسرائيل.
ومنذ ما قبل إقرار وتوقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية، تدعي دولة الاحتلال الإسرائيلي، أن الاتفاق المذكور يعاني من نقص كبير لأنه لا يتطرق إطلاقاً إلى المشروع الصاروخي الإيراني، إذ طالبت دولة الاحتلال، بأن يتم فرض قيود أيضاً على النشاط الإيراني في مجال تطوير الصواريخ بعيدة المدى والعابرة للقارات.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية