يُرسلُ حدوث التنسيق بين إيران والإمارات الذي أُعلن عنه أخيراً لضمان سلامة الملاحة في المنطقة، الذي تمَّ للمرة الأولى منذ ست سنوات، بين قادة خفر السواحل بين البلدين، فضلاً عن إعلان الحكومة البريطانية الجديدة دعمها الاتفاق النووي مع إيران وعدم التخلي عنه، إشارات إلى تصاعد لهجة تهدئة ودبلوماسيَّة مع إيران في مقابل المسار التصعيدي الأميركي المستمر منذ مجيء الرئيس دونالد ترمب إلى الحكم.
وهو ما يعني أن التوترات في منطقة الخليج، التي بدأت بالحشد العسكري الأميركي للضغط على إيران، ثم إسقاط الدرون الأميركية، وحرب الناقلات بين بريطانيا وإيران، ربما دفعت الأطراف إلى التراجع عن حافة الهاوية، وتحديد الطريق نحو عملية تواصل وحوار إقليمية، ربما تمهّد الطريق إلى مفاوضات جديدة.
الجانبُ الأوروبيٌّ لديه ما يدفعه للتمسُّك بالاتفاق النووي والتهدئة مع إيران. لذا كانت آلية (أنستكس)، وإعلان توسيعها لدول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي، بل أعلنت سبع دول أخرى بالاتحاد الأوروبي مثل النمسا وبلجيكا وفنلندا وهولندا وسلوفينيا وإسبانيا والسويد رغبتها في الانضمام إلى الآلية، ويوجد تفكير لضم دولٍ من خارج الاتحاد الأوروبي مثل الصين، المستمرة في استيراد النفط من إيران أو روسيا التي ترغب في أن تكون قناة لتصدير المشتقات البتروكيماوية من النفط الإيراني إلى أوروبا.
يرجع تمسُّك الدول الأوروبية بالاتفاق، وتأكيدها هذا الحرص من وقت إلى آخر، وعدم رغبتها في إدانة إيران بشأن تخفيض التزاماتها المرتبطة بالاتفاق النووي إلى عدة أسباب، منها أن ازدياد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، ربما تترتب عليه أخطارٌ متزايدة من التداعيات الإقليمية الناجمة عن مثل هذه المواجهة، أيضاً لإدراك الدول الأوروبية أن إيران لن تتخلى عن برنامج تخصيب اليورانيوم، ولا يوجد بديلٌ أفضل من الاتفاق النووي لضمان مراقبة هذا البرنامج ومطابقته معايير الوكالة الدوليَّة للطاقة الذريَّة.
أدركَ الأوروبيون أن من شأن التوترات المتزايدة في الخليج أن تضرَّ باقتصادات دول الاتحاد الأوروبي أكثر من غيرها، واضعين في الاعتبار وضع الولايات المتحدة بوصفها أكبر منتج للنفط بالعالم، وبالتالي ستستفيد واشنطن من ارتفاع أسعار النفط، لكن الدول الأوروبية مستهلكةٌ للنفط بشكل أساسي، وبالتالي اقتصاداتها معرضةٌ مهددة لارتفاع أسعار النفط.
ماذا بعد تأسيس إيران الميليشيات الشيعية في دول النزاع؟
وأخيراً، لدى إيران القدرة على إحداث مشكلات للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالاتجار في البشر والمخدرات، وعليه إذا خففت إيران من القيود ربما تواجه دول الاتحاد الأوروبي أزمات جديدة لتهريب المخدرات أو اللاجئين.
أمَّا من جانب دولة الإمارات، فتخشى أن تؤدي التوترات إلى تكاليف باهظة على الاقتصاد الإماراتي، حيث هروب رأس المال، والأضرار التي قد تلحق بالبنية التحتية. ومع ذلك تدركُ الإمارات أن قضية الجزر الثلاث: طنب الكبرى والصغرى وأم موسى ستظل عقبةً أمام أي تعاون حقيقي مع إيران.
أيضاً استمرار البرامج الإيرانيَّة الجاريّة لتطوير ترسانة عسكريَّة تقليديَّة، والحصول على أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك استمرار طموحها في امتلاك أسلحة نووية، ودور إيران النشط في محاولة زعزعة استقرار حكومات الخليج العربي، واستمرار مبادئ تصدير الثورة.
هنا الأمر يتطلب توحد الموقف الخليجي، ذلك أن بناء ترتيبات أمنيَّة في المنطقة لن يتوقف على طرفين فقط دون باقي الأطراف، وبالتالي فأي ترتيبات سواء أكانت إقليمية أو دولية لا بد أن تشمل بقية دول الخليج العربي. وإذا ما كان هناك ضغطٌ من الجانب الأوروبي لدفع الولايات المتحدة وإيران إلى الجلوس للتفاوض، فهذا يتم بعد تقديم الطرفين تنازلات من أجل وقف التصعيد المتبادل، فقد تعمل الولايات المتحدة على إعادة الإعفاءات عن العقوبات لبعض الدول، في مقابل استئناف طهران الامتثال الكامل للاتفاق النووي، والامتناع عن استهداف الشحن البحري بالخليج.
لكن أياً ما كانت المظلَّة التي ستنضوي تحتها أي دبلوماسيَّة لحل الصراع مع إيران لا بدّ أن تراعى جميع المصالح الخليجية، وما تعتبره تلك الدول تهديداً لأمنها، على أن تتمسَّك تلك الدول في حقها بإقامة علاقات طبيعيَّة مع إيران، في حال قامت الأخيرة باحترام أمن وسلامة دول الجوار.
اندبندت العربي