قبل سنوات ثلاث وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016 عبر دونالد ترامب، الذي كان حينها مرشح الجمهوريين للرئاسة، بوضوح عن عدم وجود “ما يخسره” تجاه الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية.
وقال ترامب إن “المناطق التي يسكنها السود قذرة وشديدة السوء”، وإن ظروفهم المعيشية لن تعرف إلا التحسن خلال حكمه.
وبعد أكثر من عامين ونصف العام في البيت الأبيض، لم يتوقف الرئيس عن إثارة الجدل بتغريدات عنصرية ومواقف سياسية تتهكمان على أصحاب البشرة السوداء من الأميركيين.
وفي تصريحات للصحفيين بالبيت الأبيض الثلاثاء، نفى أن يكون عنصريا، وقال إنه “أقل شخص عنصري في أي مكان بالعالم”، إلا أن ما شهدته الأيام والأسابيع الأخيرة يتناقض مع تلك التصريحات.
تشغيل الفيديو
هجمات متواصلة
فقبل أسبوعين هاجم ترامب أربع نائبات ديمقراطيات ينحدرن من أقليات، ثم هاجم يوم الاثنين القس آل شاربتون، وهو زعيم تاريخي في حركة الدفاع عن حقوق السود ووصفه بأنه “مخادع يكره البيض والشرطيين!”.
وقبل أيام اتُّهِم ترامب بالعنصرية إثر مهاجمته النائب الديمقراطي عن مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند إيلايجا كامينغز الذي يعد من بين رفقاء حركة كفاح ومسيرة مارتن لوثر كينغ ضد العنصرية.
واعتبر ترامب أن دائرة النائب المعروف “تثير الاشمئزاز وتضيق بالجرذان”، ما أثار غضب الديمقراطيين الذين نددوا بـ”هجوم عنصري” جديد من جانب الرئيس الأميركي.
واتهَم ترامب كامينغز بأنه انتقد “بوحشية” عناصر شرطة الحدود، على خلفية احتجاز مهاجرين غير شرعيين عند الحدود الجنوبية، “في حين أن دائرته في بالتيمور هي أسوأ بكثير وأكثر خطورة”.
وأضاف ترامب لاحقا أن دائرة كامينغز الانتخابية تعتبر “الأسوأ” في الولايات المتحدة “، وهي فوضى تثير الاشمئزاز، وتضيق بالجرذان والحيوانات القارضة الأخرى.. “فلو كان يمضي وقتا أطول في بالتيمور لكان ساعد ربما في تنظيف هذا المكان القذر والبالغ الخطورة”، حسب تعبير ترامب.
ويمثل السود أكثر من 70% من سكان مدينة بالتيمور البالغ عددهم 620 ألف نسمة، ويصوت أغلبهم للديمقراطيين.
سجل عنصري
وفي كتابها “المعتوه”، وصفت أوماروسا مانيجولت، المساعدة السابقة للرئيس الأميركي، ترامب بالعنصري وأنه يستخدم كلمة “زنجي” كثيرا.
وتعد أوماروسا، المتسابقة السابقة في برنامج ترامب التلفزيوني (ذي أبرينتس)، أحد أهم الأميركيين الأفارقة دعما لترامب قبل تركها البيت الأبيض في ديسمبر/كانون الأول 2018، والانقلاب عليه.
وكلمة “زنجي” (Negro) لم تعد مقبولة في حديث الأميركيين بصفة عامة أو بين السياسيين بصفة خاصة، ويقتصر استخدامها على العنصريين البيض ممن يتباكون على انتهاء عصر العبودية ومنح السود حقوقا مساوية لحقوق البيض.
ويرى عدد من الخبراء أن ترامب يغازل من حين لآخر هذه الكتلة التصويتية بتغريدات عنصرية.
وجاء هجوم ترامب المزدوج على رموز سياسية مهمة للأقلية الأميركية، لتعيد الحديث حول دوافعه وعنصريته، وإذا ما كان هو يستخدمها متعمدا لإشعال حماسة قواعده الانتخابية اليمينية.
تحقيق استقصائي
وخلص تحقيق استقصائي حول تغريداته قام به الراديو القومي الأميركي إلى تركيزه على مهاجمة رموز الأميركيين من أصول أفريقية ممن يتخذون مواقف معارضه له، في حين يحتفي بمن يثني على سياساته من الأميركيين السود. وركز التحقيق على ثلاثة أشهر تضمنت تسعمئة تغريدة، منها خمسون تغريدة ركزت على الأميركيين الأفارقة.
واستهدف ترامب بتغريداته لاعب كرة القدم الأميركية كولين كابرنيك الذي رفض تحية العَلَم الأميركي والوقوف أثناء عزف النشيد القومي في بداية المباريات، وذلك اعتراضا على ممارسات الشرطة ضد السود.
وغرد ترامب “المسألة تتعلق باحترام بلدنا وعلمنا ونشيدنا الوطني. ودوري كرة القدم الأميركية لا بد أن يحترم هذا”، ثم دعا الجماهير لمقاطعة الدوري، ودعا كذلك الأندية لطرد اللاعبين الذين لا يقفون احتراما للعَلَم.
وهاجم الرئيس كذلك عضوة الكونغرس السوداء ماكسن والتر من ولاية كاليفورنيا، وهي منتقدة لسياساته ومواقفه، وغرد “هي سيدة غير طبيعية ولديها إمكانيات عقلية شديدة الضعف، وهي مجنونة”.
وفي مناسبات مختلفة هاجم ترامب نجم كرة السلة اللاعب الأسود لابرون جيمس، واستهدف كذلك مذيع ومقدم البرامج بشبكة “سي أن أن” دون ليمون، إضافة إلى مستشارته السابقة أوماروسا مانيجولت التي وصفها بأنها ليست أكثر من “كلبة”.
كذلك اتهم المرشحة السابقة لمنصب حاكم ولاية جورجيا “ستيسي آبرام”، وهي أميركية سوداء بأنها “تحب الجرائم”.
وقبل ذلك قاد ترامب حملة التشكيك في أميركية الرئيس السابق باراك أوباما وادعى أنه غير أميركي، وأنه ولد خارج الولايات المتحدة، وتحدى أوباما بأن يظهر شهادة ميلاده.
ثم قال خلال حفل في يناير/كانون الثاني 2018، إنه يفضل استقبال مهاجرين بيض من دول أوروبا الغربية على سواهم، وكتب متعجبا “لماذا يأتينا كل هؤلاء الأشخاص من دول حثالة؟!”، مشيرا إلى دول أفريقية وهاييتي والسلفادور، ومواطنو هاييتي تغلب عليهم البشرة السمراء.
وقال ترامب “ما حاجتنا إلى مزيد من الهايتيين؟ أخرجوهم”، ثم أضاف “يجدر بنا استقبال أشخاص من دول مثل النرويج”.
مدح العنصريين البيض
ومثّل صعود ترامب كذلك غضبا واضحا، لما شهدته أميركا من تغيرات اجتماعية وديمغرافية في الخمسين عاما الأخيرة التي انخفضت معها نسبة السكان البيض لتصل إلى 60% مقابل 18% من الهيسبانيك (مكسيكيون بالأساس)، و13% من السود الأفارقة، و6% من الآسيويين، والبقية متنوعة.
ولم تكف خطابات ترامب العنصرية ضد كل ما هو غير مسيحي أبيض، كي لا يثني الجمهوريين عن اختياره لتمثيلهم، بل يبدو أنها كانت السبب المباشر والأهم في فوزه من قِبل هؤلاء الذين يريدون أميركا بيضاء مسيحية.
وأظهرت حادثة مدينة تشارلتوسفيل بولاية فيرجينيا، التي نظمت فيها مجموعات من دعاة تفوق العرق الأبيض تجمعا في أغسطس/آب 2018، وعبر ترامب عن دعمه الضمني لهم، عقب مقتل إحدى المتظاهرات المعترضات على هذا التجمع لأنصار تفوق العرق الأبيض.
وعلق على أعمال العنف هناك بأنه “كان هناك أشخاص طيبون جدا من الجانبين”، ووصف الأحداث بأنها “عرض سيئ للحقد والتعصب والعنف من عدة أطراف”، مساويا بين العنصريين ومن تصدوا لهم.
ويعتقد الكاتب والأكاديمي آبان هنري أن حديث ترامب “عن السود ومشاهيرهم لا ينفصل عن تاريخ أميركا العنصري الذي يستهدف الأميركيين من أصول أفريقية”.
وأضاف هنري أن ما يقوله الرئيس يدعم الفكرة العنصرية القبيحة التي تدعي أن “بعض الجماعات ليست بذات قيمة ولا أهمية لها مثل غيرها من الجماعات الأخرى”.
وبالفعل ليس لدى الرئيس ترامب ما يخسره تجاه الناخبين السود، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة “أي بي سي” بالتعاون مع صحيفة واشنطن بوست قبل أشهر عن موافقة 3% فقط من الأميركيين من أصول أفريقية على سياسات ترامب ومواقفه، في حين يرفضهما بصورة أو أخرى 97% من السود.
الجزيرة