مخاوف من “سباق تسلح” جديد

مخاوف من “سباق تسلح” جديد

أكّد حلف شمال الأطلسي الجمعة أنّه لا يريد العودة الى “سباق التسلّح” بعد أن أعلنت موسكو وواشنطن إنهاء معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى المبرمة خلال الحرب الباردة.

وفي خطوة غير مفاجئة، وبعد ستة أشهر من حوار غير فعال واتهامات متبادلة بالإخلال بالاتفاقية، سمحت الولايات المتحدة وروسيا بانقضاء المهلة التي أعلنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب في شباط/فبراير، مع تبادل الطرفين الاتهام بالمسؤولية عن انهيار هذه الاتفاقية الثنائية المهمة.

وقال ترامب انه راغب بانضمام الصين وروسيا الى معاهدة جديدة للصواريخ النووية اثر انهيار المعاهدة القديمة.

وصرّح ترامب الجمعة “نود في مرحلةٍ ما، ضَمّ الصين”.

وكان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أعلن الجمعة أنّ الولايات المتحدة ستسرع عملية تطوير صواريخ أرض جو جديدة بعد الخروج من معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى مع روسيا.

وقال الوزير الأميركي “الآن وقد انسحبنا ستواصل وزارة الدفاع بقوة تطوير هذه الصواريخ أرض جو التقليدية، في رد على تحركات روسيا”.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان من بانكوك حيث يشارك في قمة إقليمية إن “انسحاب الولايات المتحدة بما يتوافق مع المادة 15 من الاتفاقية يبدأ مفعوله اليوم، لأن روسيا لم تجدد التزامها التام والقابل للتحقق” في المعاهدة.

وأعربت فرنسا الجمعة عن “أسفها لعدم التوصل إلى أي حلّ للاحتفاظ” بمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي اعتبرت باريس أن انهاءها “يزيد مخاطر زعزعة الاستقرار في أوروبا ويُضعف النظام العالمي للحدّ من التسلّح”.

واتّهمت روسيا من جهتها واشنطن بارتكاب “خطأ فادح” وبخلق “أزمة مستعصية عملياً”. واقترحت من جديد “تجميداً لنشر الصواريخ المتوسطة المدى”، الأمر الذي رفضه حلف الأطلسي.

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إن “روسيا نشرت صواريخ منتهكةً معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى. كيف يمكن الوثوق بحسن نواياها؟”.

وفي إشارة إلى المخاوف التي تم التعبير عنها خصوصاً في أوروبا، أكّد ستولتنبرغ أن الدول الغربية لا تريد “سباق تسلّح جديدا”.

وأضاف “لكننا سنعمل بشكل يضمن أن يكون ردعنا مؤكدا”، في مواجهة نشر المنظومة الجديدة للصواريخ الروسية “القادرة على نقل رؤوس نووية وضرب مدن أوروبية خلال بضع دقائق”.

وأعربت النمسا التي كانت محايدة في بداية الحرب الباردة، عن قلقها إزاء “التهديد” الذي تواجهه أوروبا حالياً داعية موسكو وواشنطن إلى الالتزام بطريقة “طوعية” بعدم نشر صواريخ متوسطة المدى في القارة.

وكانت واشنطن علّقت مطلع شباط/فبراير مشاركتها في معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة، متهمة موسكو بتصنيع صواريخ لا تتوافق مع أحكام المعاهدة. وبدأت مع التعليق فترة انتقالية من ستة أشهر تنتهي الجمعة.

سباق تسلّح؟

سمحت معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، بمنعها استخدام سلسلة صواريخ ذات مدى متوسط (500 إلى 5500 كلم)، بالتخلص من صواريخ “اس اس 20″ الروسية و”بيرشنغ” الأميركية التي كانت منتشرة في أوروبا.

وأكد بومبيو أن “الولايات المتحدة أثارت مخاوفها لروسيا منذ عام 2013″، مشيراً إلى “الدعم الكامل” من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي للولايات المتحدة. لكن موسكو “صدت بشكل منهجي خلال ست سنوات كل الجهود الأميركية لدفع روسيا إلى احترام النص من جديد”، بحسب بومبيو.

ويتحدث بومبيو خصوصاً عن الصواريخ الروسية “9 أم 729″، التي تمثّل بحسب قوله “تهديداً مباشراً” للأميركيين وحلفائهم، فيما تؤكد روسيا أن المدى الأقصى لهذه الصواريخ هو 480 كيلومتراً.

ولم تكن المحادثات العديدة التي أجريت بين الطرفين منذ شباط/فبراير في هذا الإطار مثمرة، وتكثّفت مؤشرات إطلاق سباق تسلح بين القوتين.

وحذر وزير الدفاع الأميركي مؤخراً من أن واشنطن “ستفعل ما يصبّ في مصلحتها”، بينما توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفعل بنشر صواريخ جديدة.

في الواقع، يتطلع البنتاغون إلى إمكانية تحديث ترسانته لمواجهة صعود الصين التي تريد إثبات تفوقها العسكري في آسيا.

ومن الجانب الروسي، لا يؤسف الكرملين التخلص من أداة تُعتبَر أنها تصبّ في مصلحة واشنطن.

وأسف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من جهته الخميس من أن “العالم سيخسر أداة مهمة في مواجهة الحرب النووية”.

لا وعود

أكد بومبيو في الوقت نفسه أن إدارة ترامب ترغب في افتتاح “مرحلة جديدة من تحديد الأسلحة”، تتجاوز الإطار الثنائي الروسي-الأميركي، وتضمّ أيضاً الصين، وهو اقتراح لا يبدو أنه أثار اهتمام بكين حتى الآن.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس أن “روسيا تريد أن تقوم بأمر ما بشأن اتفاق نووي. أنا موافق”، دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل.

ويبقى اتفاق “ستارت” الاتفاق الثنائي الوحيد الفعال بين واشنطن وموسكو في مجال الأسلحة النووية. وهو ينص على أن يبقى عدد أسلحة الترسانتين النوويتين للبلدين أدنى مما كان عليه في الحرب الباردة، وينتهي مفعوله في عام 2021.

ويرى المحلل الروسي ألكسندر سافلييف أن “فرص تمديد (ستارت) ضعيفة. في ظل هذه الظروف، لا شيء سيكون قادراً على الحد من سباق التسلح الجديد بين الولايات المتحدة وروسيا”.

وبشأن اقتراح موسكو تطبيق تجميد لنشر الأسلحة النووية الممنوعة بموجب هذا الاتفاق، ألمحت روسيا أيضاً إلى أنها لا تثق بوعود حلف شمال الأطلسي.

تعهدت إدارة ترامب من جهتها بعدم نشر صواريخ نووية جديدة في أوروبا حتى اللحظة، لكنها لم تعط أية وعود بشأن نشر أسلحة تقليدية.

المملكة