بغداد – كشفت نتائج الامتحانات النهائية لمرحلة السادس الإعدادي في العراق، عن مفارقات كبيرة، تعمق إحساس القطيعة بين كثير من الناس وحكومتهم.
وبأقل من معدل 100 بالمئة بقليل، حلّ طالب من ناحية نائية في جنوب البلاد في المركز الأول بين عموم طلبة هذه المرحلة المنتهية، الحاسمة في تحديد مستقبل الطلبة، حيث تؤهل مباشرة إلى الدراسة الجامعية.
وبالرغم من أن حسن معيوف، الذي يحمل لقب “الأول على العراق” في هذا العام الدراسي، يسكن بيتا من الطين، إلا أنه أبهر البلاد بدرجاته الامتحانية، إذ حصل على 100 بالمئة في اختبارات جميع المواد، باستثناء اللغة العربية، التي حقق فيها 99 بالمئة.
وينحدر معيوف من أسرة فقيرة تعمل في الزراعة، في منطقة قلعة سكر التابعة لقضاء الرفاعي، في مدينة الناصرية، عاصمة محافظة ذي قار، جنوب العراق.
وعندما زارت كاميرات الصحافيين منزل هذا الطالب، وجدته مكونا من باحة وغرفة نوم، علقت على جدارها “سبورة” للدرس، وبضع صور افتراضية للحسين بن علي بن أبي طالب، الرمز الديني الأشد قداسة لدى الشيعة الاثني عشرية في العراق والعالم.
واللافت أن كاميرات المحطات الفضائية العراقية الموالية لإيران، عندما زارت منزل هذا الطالب، ركزت على الصور الافتراضية للحسين، المعلقة على جدران المنزل، من أجل تأكيد “شيعية” معيوف، لكنها تجاهلت حقيقة أن الجدران نفسها، التي وضعت عليها هذه الصور، مبنية من الطين، في بلد يتصدّر دول العالم في احتياطيات النفط المؤكدة.
وشيّد المنزل الذي يسكنه معيوف من الطين، وهو بحاجة إلى صيانة قبيل كل فصل شتاء، لمنع تسرب مياه الأمطار إلى داخله. ويقول معيوف إنه بارع في مهمة الصيانة هذه، وينفذها بإتقان منذ أعوام، لكن غزارة المطر خلال الشتاء الماضي، كادت أن تقوّض جهوده.
ويقول نشطاء إن وجود منازل من الطين في بلد تتجاوز موازنته العامة حاجز المئة مليار دولار سنويا عائدات بيع النفط، يمثل فضيحة إنسانية وأخلاقية.
وإذا كان حسن معيوف يضطر للسير نحو 10 كيلومترات يوميا للوصول إلى مدرسته في مركز الناحية، فإن طلبة المراحل الأدنى لا يضطرون لهذا العناء، فمدارس الطين مشيدة قرب منازلهم.
ومنذ أعوام تعد وزارة التربية العراقية بأنها ستقضي على ظاهرة مدارس الطين. لكن وعودها لا تتحقق، ويبدو أنها لن تتحقق في المدى المنظور.
ويتهم وزراء من أحزاب شيعية وسنية تعاقبوا على حقيبة التربية بسرقة الأموال المخصصة للتخلص من ظاهرة المدارس الطينية، من خلال إنشاء أخرى وفق مواصفات إنسانية مقبولة. لكن القضاء العراقي فشل في إدانتهم أو إعادة الأموال التي اتهموا بسرقتها، ما ضيع على قطاع التربية فرصا كبيرة للنهوض من واقعه “الطيني”، لاسيما في الجنوب الشيعي الغني بالنفط، حيث يسجل الفقر معدلات مرتفعة.
وعندما عرضت قصة حسن معيوف في وسائل الإعلام العراقية، قيل إن أحد الأثرياء تبرع بإنشاء منزل له ولعائلته، فيما تعهد أكاديميون بالبحث في فرص توفير زمالة دراسية له في بريطانيا.
وبالرغم من أن حسن معيوف طلب خلال لقاء صحافي، من رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، أن يرسله إلى إحدى الجامعات العالمية لدراسة الطب، إلا أن الحكومة لم تعلق، فيما اكتفت وزارة التربية بشمول “الأول على العراق” بإجراءات تكريم روتينية، يحصل خلالها على درع من النحاس، وبضعة دولارات.
وفي الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، إحدى مناطق العرب السنة غرب العراق، نشر مدونون وثائق مدرسية، تؤكد أن ثلاثة طلبة على الأقل دخلوا الامتحان النهائي للدراسة الإعدادية بحصيلة علامات تناهز 80 بالمئة، لكنهم خرجوا بدرجة صفر في جميع المواد، بعد خوض الاختبار.
وقال نشطاء إن متنفذين في مديرية تربية المدينة، سرقوا الدفاتر الامتحانية لهؤلاء الطلبة، ومنحوها لطلبة آخرين، إما دفعوا رشاوى، وإما لأنهم أقارب مسؤولين.
وقال النشطاء إن “لصوص الدفاتر الامتحانية نفذوا عمليتهم باحتراف، واستبدلوا دفاتر الطلبة المتفوقين بأخرى فارغة تماما، لضمان استحالة إجراء عملية لمطابقة الخطوط”.
وتوجه ذوو الطلبة الذين تعرضوا لهذه الحيلة إلى مبنى التربية في الرمادي، لتسجيل الشكوى، وظهر بعضهم باكيا. لكن القانون لن يجد مخرجا لهم، فعملية استبدال الدفاتر لم تترك أدلة للمتابعة.
وبلغ الحرج من هذه الواقعة مستوى أجبر وزير التربية بالوكالة على فتح تحقيق موسع لكشف ملابسات هذه القضية، انتهى إلى عدم وجود أدلة تكفي لإدانة أحد، فيما ضاع مستقبل هؤلاء الطلبة.
وتشيع خلال الامتحانات العامة في العراق، حالات غش وتسريب للأسئلة، يتورط فيها مسؤولون، لكن استبدال الدفاتر الامتحانية هو أمر نادر، بسبب الحاجة إلى تواطؤ عدد كبير من الموظفين والمسؤولين.
العرب