الباحثة شذى خليل*
أساس بناء الدول والحضارات ، ورفاه والاقتصاد والقوة والسياسة، جميعها تكمن في التعليم ، وخاصة التعليم الابتدائي ، فإن أردنا إصلاح المجتمع علينا تنشئة جيل يملك من العلم والوعي والثقافة وحب الوطن والتفاني في سبيله ما يشكل قوة تمكنه من عبور الصعوبات ، وتمكنه من التغلب على المعاناة ، وينقذ بلدنا مما هو فيه ، ولا يوجد مصنع لهذا الجيل أفضل من المدرسة.
في أجواءٍ ساخنة ومؤلمة، قام مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية بالتقصي والبحث في أسباب تدني مستوى التعليم في العراق، فجاء الجواب من داخل المجتمع التدريسي لعدة معلمات ومدراء مدارس، بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة التي أعقبت الاحتلال الأمريكي على العراق عام 2003 ، وما خلفه من آثار دمرت أجيال من الطلبة ، والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة على نفسية الطالب ، من عوزٍ وحرمانٍ وقتلٍ وخطف ، كل هذه العوامل اضعفت من القدرات العلمية والإبداعية للطلبة ، ناهيك عن ضعف الأداء التربوي ، واشكال الفساد الذي أخذ دورا عظيما بتدمير التعليم في العراق الذي كان عاصمة للثقافة والعلم ، ومقصداً لطالبي العلم من جميع انحاء العالم.
لكن ، وخلال السنوات الأربع عشرة الماضية ، وبعد الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين ، وتحطيم بعض العادات والتقاليد في المجتمع العراقي ، والتأثير السلبي على بعض الشباب العراقي بالعزوف عن التعليم والانخراط بالعمل ، بسبب الفقر وتدني مستوى الأجر ، كل هذا الأسباب وغيرها حطت من مستوى العلم والثقافة لبلد الحضارات، وأكثر من يعاني من كل هذه المشاكل هم المعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات، وهذا يوضح ما وصل إليه الانهيار في منظومة التعليم في العراق ، ورصد مركز الروابط بحسب تدريسيين أهم أسباب انهار التعليم بالآتي:
بسبب السياسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة التي أعقبت الاحتلال الأمريكي على العراق عام 2003 ، والحروب المتواصلة ، والصراعات السياسية، التي أثرت بشكل كبير في المستوى العلمي.
سيطرة الأحزاب الدينية والمليشيات الموالية لها على مفاصل الدولة كافة.
التعليم في العراق يواجه تحديات كبيرة، أبرزها تغيير المناهج، وسيطرة أحزاب دينية متنفذة على بعض المدارس، فضلاً عن تدمير الآلاف منها نتيجة المعارك المستمرة ضد تنظيم داعش الإرهابي الذي قام بتدمير كل أوجه الحضارة والتعليم.
عمليات الاعتداء المتزايدة على الكادر التعليمي والتربوي يومًا بعد آخر، وهذه انعطافة خطرة في مسار التعليم ، عندما يصل المستوى الى الإهانة ولا يحرك المعلم أو الأستاذ ساكنًا، ولا يستطيع الرد على الاعتداء بصورة قانونية، لان هذا يكلفه حياته أوحياه أحد أفراد أسرته ، واصبح العراق وكانه غابة ، فالعيش للقوي بكل مجالات الحياة (السياسية والاقتصاد او الصحة وحتى الدينية) .
تجاوز التلميذ على معلمه، والطالب على أستاذه ومدرسه، وعلى مختلف المستويات التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات العراقية، أصبح أمرًا عاديًا ومألوفًا لدى الكثير من بعض الطلبة والشباب، إذ تتعد أساليب التجاوز ، وتبدأ بعدم الاحترام وباستخدام أسوأ العبارات أثناء التكلم أو المناقشة حول قضية معينه ، ويصل الحال إلى ضرب المعلم أو الأستاذ أمام أنظار الناس، وهناك من الأساتذة من يُهدد بالقتل لسبب أو لآخر، وهناك من تفجر داره ، ولسوء الفهم أحيانًا يرتكب الطالب أفظع الجرائم بحق معلمه وأستاذه .
أما بعد عام 2006، فهيمن التعليم الديني على المناهج الدراسية في العراق، حيث أصبح الربط بين المناهج التطبيقية والتعليمية بالدين ربطاً حتمياً في القضايا كافة التي يتلقاها التلاميذ في المدارس ، من خلال إنشائها مدارس للوقفين الشيعي والسني ، ووضع مناهج وفقاً لطائفة المدرسة وميول الطلبة والعاملين فيها.
الفساد في العراق طيلة السنوات الماضية ، لم يستثني التعليم في العراق، فحسب مصدر في قسم التخطيط بوزارة التربية العراقية، فإن ملايين الدولارات تم رصدها في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لتشييد وبناء مدارس في عموم البلاد، لكن لم ينجز منها سوى 10%.
قلة المدارس، وأن وزارة التربية العراقية قدمت عدة مقترحات للحكومة، من بينها إخلاء الأبنية الحكومية التي استولت عليها الأحزاب والمليشيات وحولتها إلى مقرات ومكاتب لها، والتي يمكن أن تحول إلى مدارس تساعد في حل مشكلة نقصها ، التي أوقفت عجلة التطور والتعليم في العراق، لكنها لم تلقَى آذاناً مصغية.
وفي ظل هذا النقص في أعداد المدارس ، وتزايد أعداد الطلاب في العراق ، دفع الوزارة إلى دمج بعض المدارس، ما جعل الصفوف الدراسية مكتظة بالتلاميذ إلى حد الاختناق ، مبيناً أن هناك صفوفاً تضم أكثر من 70 تلميذاً، وهو ما يجعل الدرس غير مجدٍ للطلبة.
وأضافت مصادر في وزارة التربية العراقية ، أن أكثر من 5300 مدرسة دمرت أو تضررت نتيجة الأعمال العسكرية، موزعة على عدة مناطق لا تزال غير مؤهلة لاستقبال طلابها، وهو ما جعل مهمة وزارة التربية باحتواء الطلبة كافة أكثر صعوبة ، فضلاً عن العجز المالي في ميزانية الدولة ، إضافة الى سوء التخطيط المتعمد من قبل الجهات المسؤولة بتأثير الأحزاب والمليشيات الطائفية .
وحول معاناة الطلبة ، قالت الطالبة إسراء علي: إننا نحن الطلاب نعاني كثيراً من تغيير المناهج بشكل متكرر كل عام ، حتى أصبحنا لا نستوعب المادة، وذلك لعدم ربط المناهج بين المراحل المتعاقبة ، لكونها في تغيير مستمر، واضافت الطالبة زينة حيدر: غالباً ما توزع المناهج على الطلاب بوقت متأخر، وأحياناً قبيل انتهاء الفصل الدراسي الأول من العام.
الغش في التعليم:
عملية الغش الممنهجة والكبيرة في أغلب مراحل التعليم ، نتج عنها جيل فاشل يهدم ولا يبني ، ولا يعرف أبسط واجباته في العمل المؤسساتي أو العمل الحرفي ، ويأمل الجميع هنا بتغيير الحال إلى ما هو أفضل ، بعيدًا عن الغش والعنف ضد التدريسيين ، ويأمل التدريسيون هنا بواقع أفضل لكي يستطيع المدرس والأستاذ الجامعي إيصال أهدافه في التعليم لبناء جيل واعي ومسؤول ولكن!.
لا يقتصر الغش على الطالب فقط ، ويصل الغش في المنظومة التعليمية في العراق بعد الاحتلال الأمريكي إلى الأستاذ والمدرس نفسه ، فيقوم بعض المدرسين والأساتذة الجامعيين وعلى اختلاف مدارسهم وجامعاتهم بتسريب الأسئلة الامتحانية مقابل ثمن مالي معين.
مجزرة لتحطيم اللغة العربية في العراق:
ومن اثار ما ذكر التأثير على سلامة اللغة العربية هذا واحد من اهم أسباب دمار التعليم في العراق مجزرة اللغة العربية في العراق ، وبحسب أصحاب الاختصاص، فإن “مجزرة اللغة العربية” في العراق مستمرة ما لم تنتبه المؤسسات المختصة إلى أمرين ، أولهما تعديل المناهج التدريسية بما يتسق مع الاستخدام الحديث للغة، وثانيهما زج العناصر التدريسية بدورات مكثفة تمكنهم من استيعاب المادة وتقديمها للطالب وفق أساليب تدريس حديثة تخلق علاقة إيجابية بين الطالب والمادة، وهذان الأمران يحتاجان إلى تغيير القائمين على تلك المؤسسات التعليمية التي هي جزء من المحاصصة الطائفية في العراق، وهذا الأمر بدوره يحتاج إلى تغيير النظام السياسي برمته.
ويضيف بعض الأساتذة ، ان الأخطاء الإملائية والنحوية في الأسئلة الامتحانية أصبحت موضوعًا للسخرية وهي دليل على مستوى التعليم في العراق.
اللغة العربية التي زادت اللغات محاسنًا .. جعل الجمال وسرّه في الضّاد. هكذا وصف الشاعر المصري أحمد شوقي مفاخرًا باللغة العربية ، وكما كانت بغداد حاضرة الدنيا وأصبحت في صدارة العواصم الأسوأ في العالم، كذلك العربية تُعاني في بلادٍ كانت أساسًا للغة في التأريخ.
السياسيون العراقيون لا يتقنون اللغة العربية ، فيما لا يستطيع حتى الشباب الجامعيين كتابة سطر فصيح في الوقت الذي يستخدم الإعلاميون العامية الشعبية بأشكال مبالغ بها.
فمنذ دخول الاحتلال الأمريكي إلى العراق، واللغة العربية في تراجعٍ مستمر على مختلف الأصعدة.
الخاتمة:
التعليم في العراق هذا العام يواجه تحديات كبيرة تنذر بانهياره ما لم يتم وضع خطة عاجلة لاحتواء التلاميذ كافة ، وهنا نطرح بعض النقاط التي نرى انها تسهم في بناء التعليم لتدخل خططنا المستقبلية المعدة لإنقاذ العراق من وحل الجهل والتخلف.
بناء مدارس جديدة لفك الاختناقات في الدوامات الثلاثية والثنائية والقضاء على مدارس الطين والكرفانات، وإعداد صفوف جديدة لتقليل عدد الطلبة في الصف الواحد حتى يمكن للمعلم من أداء مهمته ويفهم منه التلاميذ ويسيطر على الدرس واكمال المنهج وفق ما مقرر، ووضع مناهج علمية مدروسة تأخذ بنظر الاعتبار الأعمار والقابليات وبأساليب مبتكرة، وتطوير مهارة الأساتذة ، وتطوير طرق التدريس ، تماشيا مع التطورات السريعة التي تحدث في العالم من خلال الافلام والوسائل التوضيحية والتعليمية ، وعرضها من خلال شاشات تلفزيونية ، على ان تصمم أفلام خاصة لكل فئة ، وخاصة الصفوف الاولى ، وأن تكون هناك قاعة مخصصة للعرض ، وزيادة رواتب المعلمين من أجل تحفيزهم على بذل الجهد في ايصال الفكرة والمعلومة للتلاميذ ، والاهتمام بهذه الشريحة ودعمها في كل المجالات مادياً ومعنوياً ، والاعتناء بأبنية المدارس والصفوف والاثاث والمرافق الصحية وغيرها من لوازم الأبنية ، وإقرار قانون منح 30 ألف دينار لكل تلميذ من تلاميذ الابتدائية اثناء الدراسة في البرلمان ، لما له من تأثير ايجابي في توفير مستلزمات الدراسة ، ويحفز الاهالي على إرسال ابنائهم للتعليم ، وخاصة العوائل الفقيرة ، والعمل على التعاون المستمر بين الأسرة والمدرسة في متابعة مستوى الطالب العلمي والتربوي ، فضلاً عن الاهتمام بتوفير المرشد التربوي في جميع المدارس لأهمية الجانب النفسي للتلاميذ.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية