القرار الأميركي بوضع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على لائحة العقوبات، قد لا يكون وليد اللحظة التي خرج فيها وزير الخزانة ستيفن منوشين ليعلن هذا القرار، فالإشارة الرئيسة جاءت قبل أيام من القرار من قبل الرئيس دونالد ترمب الذي وصف ظريف بأنه “لا يملك القرار”.
بعض التفسيرات ذهب إلى أن موقف ترمب قد يكون السبب فيه النتيجة التي انتهى إليها اللقاء الذي جرى بين ظريف والسيناتور الجمهوري راندل بول والعرض الذي قدمه للوزير الإيراني بزيارة البيت الأبيض واللقاء مع ترمب لبحث الأزمة بين واشنطن وطهران وسبل حلها، والرد الذي قدمه ظريف بأنه غير مخول بعقد مثل هذا اللقاء من دون التنسيق وموافقة المرجعية العليا للنظام الممثلة بالمرشد الأعلى.
وعلى الرغم من ردود الفعل التي رافقت وصدرت تعليقا على القرار الأميركي، على المستوى الدولي الرافض للإجراء الأميركي، واعتبار القرار بأنه يشكل ضربة للجهود الدبلوماسية الدولية التي تبذلها عواصم القرار من أجل التوصل إلى حلول للأزمة مع إيران وإعادة إطلاق عملية الحوار والتفاوض على مختلف الملفات الإشكالية التي تتسبب في رفع مستوى التصعيد والتوتر في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى المستوى الرسمي الإيراني حيث وصف القرار بأنه يعبر عن “العجز الأميركي أمام المنطق والحجج الإيرانية التي يدافع عنها ظريف” حسب تعبير رئيس الجمهورية حسن روحاني، وأن واشنطن بهذا القرار “تقفل الباب أمام إمكانية التفاوض والحوار” بناء على إشارة روحاني في آخر خطاب له عندما تحدث عن إمكانية حصول تطورات وتقدم جدي خلال أيام على صعيد المفاوضات مع الدول المعنية بما فيها واشنطن، خصوصا في ظل وجود معلومات شبه مؤكدة عن قناة حوارية قد تم فتحها في الأسابيع الأخيرة بين طهران وواشنطن من جهة، وبين طهران والترويكا الأوروبية والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وأن هذه القناة بدأت بتحقيق إنجازات جدية تمهد الطريق للعودة إلى طاولة المفاوضات في إطار تفاهم على الحد الأدنى من الشروط المتبادلة بين الطرفين. وأن انعكاسات هذه التفاهمات وآثارها الإيجابية لن تكون محدودة في الموضوع النووي والعودة إلى الاتفاق الموقع بين إيران ومجموعة دول 5+1، بل تتعداه أيضاً إلى وضع آلية لتفاهمات إقليمية بين إيران ودول المنطقة على أساس من الاحترام المتبادل والتعاون الأمني والاستراتيجي بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة، خصوصا ما يتعلق بأمن الملاحة وحرية إمدادات الطاقة في مضيق هرمز.
القيادة الإيرانية، قد تكون تفاجأت بالقرار الأميركي والعقوبات على ظريف، خصوصا أنها حاولت تفسير الإشارات الأميركية بالتراجع عن هذه العقوبات قبل أسابيع ضد ظريف على الرغم من العوائق التي فرضتها على زيارته الأخيرة لنيويورك وتحديد حركته وتقييدها، إضافة إلى ما اعتبرته إشارة إيجابية في تمديد تعليق العقوبات على المنتجات النووية، وهي إشارات يمكن البناء عليها، حسب اعتقاد هذه القيادة، للتقدم في مسار القناة الحوارية التي بدأت عملها من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بين الطرفين على جميع الملفات العالقة بينهما والتي كانت السبب في قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة إلى فرض حصار اقتصادي وعقوبات خانقة على إيران.
وبالتالي فإن هذا القرار فرض على هذه القيادة حالة من الإرباك، لدرجة أن هذا القرار قد يضع الكثير من السدود أمام حركة رأس الدبلوماسية والمفاوض الأول للنظام على الصعيد الدولي، لا تقف آثاره عن حدود التعامل مع ظريف الخاضع للعقوبات، بل تنعكس أيضا على كل الجهاز الدبلوماسي وآلية تعامل العواصم الدولي مع ممثلي إيران لديها، ما قد يفرض بالتالي على هذه العواصم آلية أقل جدية في التعامل مع السفراء الإيرانيين أو حتى مع ظريف نفسه. إضافة إلى وجود اعتقاد لدى طهران بأن قرار ترمب وإدارته، خصوصا مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجية مايك بومبيو، لم يكن قرارا متسرعا أو عبثيا، على غرار ما دأبت عليه في وصف قرارات الإدارة الأميركية، وأن هذا القرار وما قد يشكله من إرباك على الدبلوماسية الإيرانية، قد يفرض عليها اللجوء إلى خيار استبدال ظريف بشخصية أخرى لن تكون على القدر نفسه من الإلمام والتمكن من الآليات الدبلوماسية في الحوار مع الأطراف الدولية.
وتذهب المخاوف الإيرانية من التصعيد الدبلوماسي الأميركي إلى حد الخشية أن تكون الخطوة التالية للبيت الأبيض هي فرض عقوبات على رئيس الجمهورية، خصوصا أن هذه الإدارة سبق لها أن فرضت عقوبات على رأس النظام المرشد الأعلى، إضافة إلى إمكانية أن تقدم واشنطن على قرار تعليق عمل ممثلية إيران في الأمم المتحدة ما يفقدها القناة الأساسية والرئيسة في التخاطب مع المجتمع الدولي والاستفادة من منبر الأمم المتحدة للتعبير عن موقفها، خصوصا أن المسوغ القانوني للبيت الأبيض بات متوفرا بعد اتهام ظريف بتقديم الدعم لجهود حرس الثورة الذي صنفته واشنطن إرهابيا وأدرجته على لائحة المنظمات الإرهابية.
إخراج ظريف من دائرة القرار أو رأس الدبلوماسية الإيرانية، من خلال إضعاف موقعه ودوره، قد ينعكس سلبا على كل الطروحات التي سبق له أن قدمها في الأشهر الأخيرة والتي ترتبط بالخطط الإيرانية تجاه المنطقة، خصوصا الدعوة إلى توقيع اتفاقية “عدم اعتداء” بين إيران ودول الجوار العربي الخليجي، ولاحقا الدعوة إلى تشكيل منتدى إقليمي للحوار بين إيران وهذه الدول من أجل وضع تصور ورؤية لإدارة أزمات المنطقة والإشراف عليها واستقرارها وتولي مسؤولية أمنها، وبالتالي تكون واشنطن قد سحبت من طهران أحد أهم الأوراق الرابحة التي كانت تستخدمها في مواجهة الضغوط والعقوبات الهادفة إلى إجبار طهران للعودة إلى طاولة الحوار والتفاوض على مختلف الملفات العالقة والإشكالية الإقليمية والصاروخية التي تريد واشنطن التوصل إلى اتفاقيات حولها.
اندبندت العربي