تستأثرُ العملية العسكرية التركية المرتقبة نحو شرق الفرات اهتماماً بالغاً لخطورة ما تُقدم عليه أنقرة في حربها الجديدة، خصوصاً أن تهديداتها الأخيرة بدت جدية وحاسمة، وقد أبلغت كلاً من الولايات المتحدة وروسيا بقرار حملتها الذي لا تراجع عنه.
وفي وقت لم تحدد اسطنبول موعد زحفها الجديد على معاقل الأكراد ضمن حربها “ضد تنظيمات كردية تهدد أمنها القومي”، بحسب مسؤولين أتراك، تشير المعلومات الأولية إلى اقتراب العملية، وفق مصادر إعلامية نقلت تصريحاً لقائد عسكري تركي، حدّد موعدها بعد عيد الأضحى المقبل.
حوار سريع
مقابل ذلك، لا تتوانى موسكو عن إعادة ترتيب أوراق اللعبة السياسية من جديد، خصوصاً أنها أنجزت مع الجانب التركي الكثير في أستانا 13، لكن خروقات الهدنة بين طرفي النزاع في ريفي إدلب وحماة، نسفت مجدداً أي بصيص أمل للحل السياسي، بعد تفاؤل طفا على السطح.
وبعد المؤتمر الأخير في نور سلطان العاصمة الكازاخية في الثاني من أغسطس (آب) 2019، لوّح المبعوث الروسي إلى سوريا، أليكساندر لافرينتييف، إلى أن “باب الحوار بين دمشق والأكراد في الشمال مفتوح بين الطرفين”.
وقال في تصريح “الأكراد مكوّن رئيس من مكونات سوريا، وينبغي أن يكون لهم ممثل، فهم جزء من وحدة سوريا. لذلك، نحن ندعم بدء حوار بينهم وبين دمشق بسرعة”.
ولم يخف المبعوث الروسي دور قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حربها ضد “داعش” في شمال شرقي سوريا، وتحرير المنطقة من التنظيم، واصفاً الأمر بـ “الجيد”، لكنه في ضوء حديثه تطرق إلى “ضرورة عودتها إلى سيطرة الحكومة السورية”.
في غضون ذلك، لا تتوقف أنقرة عن مطالبة واشنطن بالكفّ عن دعم “قسد”، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحافي عقده الاثنين الخامس من أغسطس (آب) 2019 “إننا ننتظر أن ترد واشنطن بإيجابية على دعواتنا”، وذلك على الرغم من انشغال الولايات المتحدة في الحؤول دون أي هجوم على التنظيمات الكردية في الشمال الشرقي للبلاد.
وأوشكت أميركا على نفاد كل محاولاتها لثني الجانب التركي عن خططه الأخيرة للهجوم، وآخرها عرض أميركي تنفذ فيه واشنطن وأنقرة عملية مشتركة لتأمين منطقة حدودية بعرض 140 كيلومتراً وعمق 15 كيلومتراً، في حين لا يملك الجيش الأميركي تفويضاً من الكونغرس يخوّله الدفاع عن التنظيمات الكردية.
رفض دمشق
دمشق رفضت من جهتها مضمون المحادثات الأميركية – التركية حول المنطقة الآمنة، وجاء في بيان وزارة الخارجية السورية في 26 يوليو (تموز) 2019، أن “أي تفاهم هو بمثابة اعتداء على سيادة سوريا”.
ويرجح مراقبون أنه مع دخول تركيا في اتفاق مع أميركا، لن يعتبر مجلس الأمن ذلك اعتداء أو غير شرعي، بل سيعتبره عملية دفاعية. في هذا السياق، قال المعارض السوري لؤي حسين “على قوات قسد أن تعلن بقوة أنها تحترم أمن الجوار السوري كله”، مضيفاً “أحترم تجربة الإدارة الذاتية وأقدّر جداً التضحيات التي قدمتها قسد في مواجهة الداعشيين، لكن ذلك لا يكفي، إذ يجب أن تحول دون تمكّن تركيا من إيجاد حجة لدخول الأراضي السورية”.
وعلى الرغم من موقف قوات سوريا الديمقراطية الرافض لطلب سوري – روسي للمشاركة في عملية إدلب، إلا أن طاولة المحادثات بين النظام السوري والأكراد ستعود إلى الواجهة، خصوصاً إن شعرت التنظيمات الكردية بتخلي البيت الأبيض عنها.
وقال قائد عام “قسد” مظلوم عبادي في تصريح سابق إن “موسكو والنظام طلبا منا المساعدة، لكننا رفضنا ولدينا شروط”.
في السياق ذاته، تصمم الأحزاب الكردية على شرطين في حوارها مع النظام السوري، الذي أكد في الفترة الأخيرة خلال اجتماعات أمنية رفيعة المستوى، حسمه لمناطق تسيطر عليها “قسد”.
ورأت مصادر كردية أن الموضوع يتعلق بالتبدلات السياسية المتسارعة، لكن الموقف الكردي من شروط التفاوض لن يتغير، إذ لديه شرطان أساسيان “الأول الحوار مع الحكومة المركزية على وحدة أراضي سوريا والثاني قبول قسد وقيام حكومة ذاتية”.
حوار قبل فوات الأوان
في سياق متصل، دعا عضو مجلس الشعب السوري (مقعد الكرد) ورئيس المبادرة الوطنية للأكراد المدعومة من الحكومة عمر أوسي “القيادات الكردية إلى الحوار مع النظام السوري وطرق بابه قبل فوات الأوان”، معلناً عن “وجود مشروع تركي خطير يهدد منطقة شرق الفرات، وما المنطقة الآمنة إلا ادعاءات”.
إزاء ذلك، ردت الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها في بيان على “التهديدات التركية غير المسؤولة، التي زعزعت الاستقرار والتعايش المشترك”، قائلةً إنّ “ما حدث في عفرين من سلب الأراضي من قبل الأتراك سابقاً يُعدّ اعتداءً تركياً، ونحن في الإدارة الذاتية نؤكد وحدة الأراضي السورية”.
وهكذا، تبقى أية مباحثات مقبلة بين دمشق والإدارة الذاتية مرهونة بالمصالح التي تربط الدول الإقليمية في ما بينها، مع ما تحمله الأجندة الكردية التي تتخوف من “العملية التركية والخذلان الأميركي اللّذين من الممكن أن ينالا من مشروعها الفيدرالي في النهاية”.
اندبندت العربي