يدعو الناشط البيئي ليو موراي إلى الاستغناء عن جميع السيارات الخاصة في لندن خلال العقد المقبل. وكتب تقريراً عن تحالف أخضر، علاوة على مقال لـ “إندبندنت”، لعرض رؤية لحالة فوضى المرور الخالية من الكربون في المستقبل. يُظهر التقرير كيف ستتزاحم الدراجات الهوائية والكهربائية و مركبات الـ “توك توك” الكهربائية مع الحافلات وسيارات الأجرة والترامات والمشاة على طرق العاصمة البريطانية.
هذه هي المدينة الفاضلة، التي تخيّلها قدماء الاغريق، في أبهى صورها، مثاليةً ومثيرةً وغير آبهةٍ كثيرا بالجوانب العملية. يعجبني ذلك لأنني لا أحب السيارات ولم أمتلك واحدة أبدًا. موراي محق في الإشارة إلى أن السيارات ملوِّثة وخطيرة وأنه لا ينبغي تصميم المدن لتستوعب السيارات. فالسيارة العادية تمضي 95% من وقتها واقفة، كما أن لندن تخصص 20 ميلا مربعا من مساحتها لمواقف السيارات.
لكن بدأت المخاوف تبرز بعد صدور تقرير موراي. فمثلا، إذا كان تصفيرالكربون هو الهدف، فإن إلغاء تملك السيارات الخاصة لا علاقة له بذلك. إن أبسط طريقة لتحقيق هذا الهدف تكمن في جعل جميع السيارات تعمل بالكهرباء، وتوليد ما نحتاجه من الكهرباء من الرياح أو الشمس أو الماء أو المفاعلات النووية.
هناك أسباب أخرى للتقليل من أعداد السيارات، لكنها مرتبطة بالحفاظ على جمالية المدينة أو تتعلق بالاستخدام الفعال للموارد الشحيحة. أعتقد أن الشوارع ستبدو أجمل منها في الحالة العادية لو كانت من دون الصناديق المعدنية التي يزدحم بها جانبا الطريق؛ وإذا استخدم المزيد من الناس سيارات الأجرة وتشاركوا معاً في ركوب السيارات، فستستعمل السيارة العادية أكثر من 5% من الوقت كمعدل وسطي.
لكن دفعتني خطة موراي لجعل لندن خالية من السيارات للتفكير في التغيير الذي عرفته المدينة خلال السنوات الـ 19 الماضية منذ أن بدأ يديرها محافظ منتخب انتخابا مباشرا. أصبح الشطر الأكبر من وسط لندن بالفعل خاليا من السيارات الخاصة. وعلى السيارات أن تدفع رسوماً للدخول إلى منطقة الازدحام، وهناك الآن أيضا منطقة مخصصة للسيارات ذات الانبعاثات المخفضة للغاية. لذا فإن معظم المركبات التي تلفّ حالياً حول ميدان البرلمان ،عندما يكون خاليا من احتجاجات سائقي التاكسيات، هي سيارات الأجرة وسيارات التوصيل والحافلات والدراجات.
تغيرت خمسة أشياء كبيرة منذ انتخاب كين ليفينغستون عمدة للعاصمة لندن في عام 2000، هي زيادة أعداد ناطحات السحاب والحافلات، وتحديث قطارات الأنفاق، وفرض رسوم الازدحام، وتشجيع ركوب الدراجات. أدت هذه التطورات بشكل مباشر إلى جعل الحياة في المدينة أفضل، فزاد عدد سكانها بمليون ونصف المليون شخص، وباتت بالتالي أكثر غلاءً!
كانت واحدة من التغييرات الأكثر إثارة للاهتمام هي زيادة استخدام الدراجات. وهي تهمني لأنني بدأت باستخدام دراجات بوريس العام الماضي. إنها طريقة رائعة للتجول في وسط لندن. إنها آمنة ، ولا أستخدمها إلا في ممرات المخصصة للدراجات، وجعلتني أجري تمارين الرياضة أكثر من الماضي.
إن أهمية هذا الموضوع في المشهد السياسي الحالي هو أن هذه الدراجات لا تزال تسمى “دراجات بوريس”. فهو وضع مخطط تأجير الدراجات عندما كان محافظا لندن في عام 2010. وكان للمسارات المخصصة للدراجات التي أصرّ على إقامتها في جميع أنحاء وسط المدينة رغم تسببها في تعطيل حركة المرور، نفس القدر من الأهمية التي تتمتع بها مخطط دراجات بوريس.
أدى هذا الإجراء إلى تغيير حركة النقل في لندن كلياً. بدءاً، كان سائقو السيارات يستشيطون غضباً وهم ينتظرون وسط إزدحام شديد بجوار ممرات الدراجات الفارغة، والتي ما تزال في الغالب خالية في منتصف اليوم، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الدراجات تشغل مساحة صغيرة جدًا مقارنة بالسيارات. أما في ساعات الذروة، فتبدو هذه الممرات وكأنها كوكبة دراجين في سباق للمحترفين.
هذا الأمر مهم بالنسبة للأشخاص الذين لا يركبون الدراجات إلا في الأجواء الملائمة فقط، لأن بوريس جونسون هو الآن رئيس الوزراء. بالمناسبة، اعتدت أن أسميها دراجات كين لأنني أعتقدت أنه من غير العدل أن يحظى بوريس بشرف مخطط بدأه سلفه ليفينغستون. لكن عندما فكرت في الأمر، وجدت أن كل ما فعله ليفينغستون هو إقرار المخطط من حيث المبدأ. كان جونسون هو من فعل الشيء الصعب المتمثل في تنفيذ المخطط، وخصوصاً بناء الممرات المخصصة للدراجات التي تحدث فرقًا كبيرًا.
يتعارض هذا مع الصورة الأخيرة لجونسون كحاكم يميني متطرف صغير، والتي تُرسم غالباَ غالباً على اساس رغبته في الخروج من الاتحاد الأوروبي. لكنه سياسي عملي لديه على الأقل سجل من الإنجازات، حسبما نعرف عنه. فركوبه الدراجة ومعارضته توسيع مطار هيثرو وإشادته بخطوط السكك الحديدية الجديدة في شمال إنجلترا في يومه الثاني كرئيس للوزراء، يجب أن تجعله معاً شخصية محببة لدى أنصار البيئة.
وعندما شغل منصب محافظ لندن، تخلص من الحافلات المزدوجة التي كانت تشكل خطرا مميتا على راكبي الدراجات والمشاة، وكانت واحدة من أخطاء محافظ العاصمة الأسبق كين ليفينغستون.
ربما أبالغ في تفسير ما فعله جونسون لتحسين نوعية حياتي أنا، لكنني لا أدري إن كان بوسعه أن يكون رئيس وزراء فعّال، إذا استطاع حل معضلة بريكست. وبعيدا عن المثالية التي تطبع التفكير في مستقبل لندن في عام 2030، إذا تمكن أن يحقق لبقية البلاد انجازات تعادل ما ما حققه للندن عندما كان محافظها، فلن يكون ذلك شيئاً فظيعاً.
اندبندت العربي