الصين تستعد لقلب طاولة النظام المالي العالمي

الصين تستعد لقلب طاولة النظام المالي العالمي

لم يكن إعلان مسؤول كبير في بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) عن أن البنك “جاهز تقريبا” لإصدار عملة رقمية سيادية، مجرد خبر عابر، رغم أن وسائل الإعلام لم تتناوله حتى بالأهمية التي يستحقها رغم أن الإعلان صدر يوم السبت الماضي.

ذلك الإعلان يمكن أن يكون شرارة أكبر حدث في تاريخ النظام المالي العالمي، ويمكن أن يقود إلى سباق دولي لإصدار عملات مماثلة قبل أن تتمكن بكين من سحب البساط من تحت العملات الرئيسية الأخرى.

الآفاق التي يمكن أن تفتحها العملة الصينية الرقمية السيادية يمكن أن تكون أوسع من جميع التكهنات. لكنها تنتظر إيضاحات بشأن رقعة تداولها والقيود التي يمكن أن تصاحب إصدارها. كما أنها تنتظر ردود فعل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان.

الشرارة الصينية النوعية جاءت على لسان موو تشانغ تشون نائب مدير إدارة المدفوعات في بنك الشعب الصيني يوم السبت أمام منتدى يعقد في إقليم هيلونغ جيانغ في شمال الصين.

وتشير التقارير إلى أن البنك المركزي الصيني شكل فريقا بحثيا في عام 2014 لاستكشاف إمكانية إطلاق عملة رقمية سيادية لخفض تكلفة تداول العملة الورقية التقليدية وتعزيز رقابة صانعي السياسات على المعروض النقدي. لكن بكين لم يسبق أن كشفت أي تفاصيل تذكر عن تلك الخطط حتى صدور ذلك التصريح الآن.

العملة الرقمية الصينية قد تقود إلى سباق دولي لإصدار عملات مماثلة من قبل الدول الكبرى

وقال موو إن إصدار عملة رقمية سيعتمد على نظام “ثنائي” يكون فيه البنك المركزي والمؤسسات المالية جهات مشروعة للإصدار.

وأضاف أن العملة الرقمية للبلاد لن تعتمد فقط على تقنية سلسلة الكتل لأن التقنيات المتاحة منها حاليا لن تتمكن من التعامل مع أحجام المعاملات في الصين.

ويمكن أن يكون طرح العملة الرقمية محليا بسهولة كبيرة خاصة في ظل انتشار تسديد المدفوعات الإلكترونية في الصين على نطاق واسع يكاد يفوق جميع الدول الأخرى.

وتشكل هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي، والذي لا يزال يشكل لوحده نحو 63 بالمئة من وزن العملات الاحتياطية العالمية، مصدر قلق للدول الكبرى الأخرى، التي بذلت جهودا كبيرة لتقليص الاعتماد المفرط للنظام المالي العالمي على الدولار، خاصة في ظل مديونية الولايات المتحدة الكبيرة التي تصل إلى 23 تريليون دولار.

وكان إصدار اليورو في عام 1999 بمثابة أكبر المحاولات للوقوف بوجه هيمنة الدولار لكنه لم يتمكن من اقتطاع سوى نسبة قليلة من كتلة الاحتياطات المالية العالمية.

كما تحاول الصين منذ 11 عاما على الأقل تقليص التعامل بالدولار لكنها لم تتمكن من تدويل عملتها حتى الآن، وتشير التقديرات إلى أنها تحتفظ بتريليونات الدولارات من السندات السيادية الأميركية.

ومن أجل تحقيق ذلك الغرض أبرمت بكين اتفاقات مع عدد كبير من دول العالم في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وأفريقيا والشرق الأوسط لاستخدام العملات الثنائية في التبادلات التجارية لإقصاء الدولار من التعاملات الثنائية.

ويمكن لعملتها الرقمية السيادية أن تنجح فيما فشلت جميع الجهود السابقة في تحقيقه إذا عبرت الحدود وشاع استخدامها في دول العالم، لتكون بديلا للعملات الرقمية الخارجة عن رقابة السلطات المالية.

ويأتي الإعلان الصيني، في وقت يمر فيه العالم في مخاض التحول الحتمي إلى العملات الرقمية، وفي وقت تشكلت فيه جبهة عالمية ضد العملات الرقمية الخارجة عن رقابة السلطات السيادية.

ولا يزال الجدل محتدما بشأن خطط فيسبوك لإصدار عملة رقمية، والتي تعرضت لهجمات شديدة دفعت فيسبوك للتلويح بإلغاء المشروع بسبب خطورته على النظام المالي التقليدي.

لكن عملة الصين الرقمية لن تجد من يمكن أن يقف بوجهها لأنها عملة سيادية ترتبط بقيمة اليوان ولا سبيل لمواجهتها أو معارضة إصدارها. وتبد الخطوة التي كشفت عنها بكين المخرج المثالي من النظام النقدي التقليدي إلى مواكبة الثورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا، بعد أن شابت جميع المحاولات السابقة ثغرات يمكن أن تهدد الاستقرار العالمي.

ويبقى المسار الأمثل لفتح آفاق النظام المالي العالمي يكمن في إصدار عملة رقمية عالمية تشترك فيها جميع دول العام، لكن ذلك يبقى حلا مثاليا في ظل حتمية معارضة واشنطن لأي مسار ينهي هيمنة الدولار.

العرب