ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن وزارة الدفاع في دولة الاحتلال اعتمدت مخططاً لإنشاء جدار أمني جديد على امتداد الحدود مع قطاع غزة، محصن ومدعم بأجهزة مراقبة إلكترونية معقدة، ويبلغ طوله 360 كلم فوق الأرض وبعمق عشرات الأمتار تحت الأرض في بعض أجزائه. وأكدت القناة أن الوزارة تستكمل الإجراءات الإدارية مع مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بصدد تأمين كلفة الجدار التي يمكن أن تصل إلى 100 مليون شيكل.
بذلك فإن هذا المشروع الجديد سوف يشكل خطاً ثانياً خلف الجدار الخرساني الأول الذي باشرت سلطات الاحتلال أعمال إقامته منذ أيار /مايو المنصرم في موازاة السياج الأمني شمال القطاع، كما ينضم إلى سلسلة الجدران العازلة التي أنشأتها دولة الاحتلال على الحدود مع سوريا ولبنان ومصر والأردن. كل هذا بالإضافة إلى جدار العزل الأشهر المقام في الضفة الغربية بطول يتجاوز 700 كم وعلى 80% من أراض فلسطينية محتلة، إلى جانب شق الطرق التي تخدّم الجدار وتلتف حول عشرات البلدات والقرى والمدن الفلسطينية.
ومن المعروف أن سياسة الجدران التي تتبعها دولة الاحتلال منذ حرب 1967 إنما تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي إجمالاً، وباتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، وخاصة المادة 53 التي تحظر على دولة الاحتلال تدمير أي ممتلكات خاصة أو عامة تتبع لأفراد أو جماعات أو منظمات اجتماعية أو تعاونية أو سلطات محلية. كذلك فإن محكمة العدل الدولية قضت منذ عام 2004 بعدم شرعية الجدار وطالبت بوقف أعمال البناء فيه، لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي تجاهلت القرار كعادتها، بل ومضت أبعد في تشييد جدران أخرى.
الجانب الآخر في سياسة الجدران العازلة هذه أن مسـألة الأمن التي تتخذها سلطات الاحتلال ذريعة، اتضح بطلانها في مناسبات عديدة وفيما يخصّ الجدران كافة عملياً. لكن الأخطر هو الغرض الآخر الخفي من وراء عزل المناطق، وتلك المحتلة بصفة خاصة، أي سلب الأراضي وضمها إلى الكيان واستغلالها في إقامة المزيد من المستوطنات والمنشآت المدنية والعسكرية. هذا بالإضافة إلى الآثار التمييزية والعنصرية الناجمة عن عزل السكان الواقعين تحت الاحتلال والاستيطان، مما يشكل جريمة بحق الإنسانية تستوجب العقاب بموجب الاتفاقية الأممية حول أشكال التمييز العنصري للعام 1965.
وفي واقع الأمر فإن هذه الجدران والحواجز المختلفة تتجاوز بكثير مختلف ذرائع الأمن والتحصين لأن بُناتها يستهدفون أيضاً فرز السكان إلى «داخل» و»خارج»، وتعريف الهويات طبقاً لجغرافية الوجود على طرفي الجدار أو الحاجز، إحكاماً لمبدأ العزل وقاعدة التفريق. ولا يجري تطبيق هذا الغرض على الأرض وفي النطاق المادي والجغرافي فقط، بل كذلك في الوجدان العام وفي باطن النفوس، وهو بدوره نزوع عنصري يصبو إلى طراز من التطهير العرقي الذاتي، وإلى اصطناع تجانس سكاني وديموغرافي قوامه الفصل العنصري والتمييز على طريقة الأبارتهايد.
ويبقى أن هذه الموانع على اختلافها تُسقط المزيد من عناصر الخرافة حول دولة الاحتلال الصهيوني بوصفها «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وتبرهن في المقابل على أن عقلية الحصن والانعزال والخوف من الآخر لا تزال تتحكم بالسياسات العليا لكيان قام أصلاً على اغتصاب الأرض والاستيطان والتمييز العنصري وانتهاك القانون الدولي.
القدس العربي