بغداد – قبل أن يجد الحشد الشعبي منفذا للخروج من ورطة التفجيرات التي طالت مخازن السلاح التابعة له في بغداد قبل أقل من أسبوعين، تعرض معسكر يملكه في محافظة صلاح الدين، إلى حادثة ربطتها مصادر ومراقبون على نطاق واسع بسلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مواقع يستخدمها الحرس الثوري لتخزين صواريخ بعيدة المدى في العراق.
وتسبب انفجار كدس عتاد يملكه الحشد الشعبي، مساء الثلاثاء، في منطقة بلد بمحافظة صلاح الدين شمال بغداد، في تفجيرات متسلسلة، فيما أبلغ سكان محليون عن تطاير صواريخ من موقع الانفجار نحو منازلهم.
وبالرغم من أن التفجير الأخير كان كبيرا، إلا أنه لم يضاه في حجمه التفجير الذي وقع داخل مخزن سلاح للحشد الشعبي، في معسكر الصقر جنوب بغداد، وتسبب في مقتل وجرح العشرات.
وقالت مصادر محلية إن القوات الأميركية نقلت جنودها من قاعدة عسكرية قريبة من موقع التفجير في بلد، إلى معسكر داخل بغداد، بعدما جرى الإبلاغ عن تطاير مقذوفات.
وربط قادة الحشد بين التفجيرين في بغداد وصلاح الدين، وغارات تشنها إسرائيل باستخدام طائرات مسيرة، تحصل على مساعدة أميركية، وهي فرضية تحظى بالكثير من المؤيدين في العراق، لاسيما مع تبنيها من قبل وسائل إعلام إسرائيلية ومحللين في تل أبيب.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ”العرب”، إن “الانفجارين الأخيرين، أتيا على معظم القوة الصاروخية التي يملكها الحشد الشعبي في العراق”، مؤكدة أن “الصواريخ التي تعرضت للتلف، تبلغ قيمتها الملايين من الدولارات”.
وسبق هذين الانفجارين آخران مماثلان في محافظتي صلاح الدين وديالى، تسرب أن الأول نفذه تنظيم داعش والثاني جاء عبر طائرة مسيرة ربما تكون جاءت من خارج العراق.
وشكلت هذه الأحداث الأربعة، سياقا يشير إلى تعرض مخازن السلاح الخاصة بالحشد الشعبي داخل العراق إلى استهداف واسع، ما يكرر مشهد الفشل الذي حدث في سوريا، عندما فشلت إيران في تحويلها إلى قاعدة عمليات متقدمة.
واللافت، أن ملكية ثلاثة مخازن تعرضت للتفجير مؤخرا تعود إلى فصيلين على صلة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، هما كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء.
وبالرغم من أن مراقبين عراقيين طرحوا فرضية دخول إسرائيل على خط المواجهة مع إيران داخل العراق، منذ استهداف معسكر الحشد الشعبي في منطقة آمرلي بمحافظة صلاح الدين، مطلع الشهر الماضي، إلا أن الحشد الشعبي لم يقر بهذه الفرضية، حتى بعد وقوع الهجوم الثاني على معسكر أشرف في ديالى.
وتردد الحشد الشعبي في تبني الفرضية الإسرائيلية خلال الهجوم الثالث على مخزن سلاحه الكبير في بغداد، بالرغم من صدور بعض الإشارات الواضحة، لكن حادثة منطقة بلد، أخرجت قادة الحشد إلى وسائل الإعلام، ليتحدثوا علنا عن وجود أدلة على تورط إسرائيل في هذه الهجمات.
ويقول السياسي العراقي عزت الشابندر إن إسرائيل ستنتقل من استراتيجية قصف مخازن السلاح التابعة للحشد الشعبي إلى استراتيجية استهداف خصومها في العراق بشكل شخصي عبر الطائرات المسيرة.
واعتبر علي البياتي عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، تكرار استهداف المواقع العسكرية العراقية وما ينتج عنهإس من خسائر بشرية ومادية أمر يحتاج إلى وقفة حقيقية من الحكومة العراقية ولا يكفي تشكيل لجان وتسويف للموضوع.
وقال البياتي في بيان صحافي “لو ثبت أن هذه الأفعال بفعل خارجي أو استهداف بطائرات معادية فالموضوع يحتاج إلى وقفة من قبل وزارة الخارجية العراقية بتقديم مذكرة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي وطلب عقد جلسة طارئة لذلك فالموضوع يدخل في صلب الإرهاب الدولي ومخالف لمواثيق الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في العالم”.
في المقابل، يرى مراقبون أن الحشد الشعبي ربما استخدم الفرضية التي تشير إلى أن إسرائيل هي التي تقصف مخازن سلاحه وعتاده، للتغطية على عمليات سوء التخزين في مقراته.
وترد معلومات كثيرة من مقرات للحشد الشعبي في مختلف مناطق العراق، تؤكد وجود عتاد كثير، مخزن بشكل سيء. ووفقا للمصادر، لم يسبق للحشد الشعبي أن امتلك هذا الحجم من العتاد، منذ الإعلان عن تشكيله العام 2014.
وكان القيادي السابق في التيار الصدري، بهاء الأعرجي، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية السابقة، ألمح إلى أن العتاد الموجود في مخازن الحشد الشعبي في العراق، هو عبارة عن “صواريخ، وضعتها دولة جارة، أمانة عند العراق”.
واستخدم تعليق الأعرجي، الذي أشرف لعدة أشهر على مفاوضات الجانب العراقي مع إيران للحصول على السلاح، خلال مرحلة الحرب على تنظيم داعش، التي قادها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، لدعم المعلومات التي تؤكد أن إيران نقلت صواريخ بعيدة المدى إلى عدد من حلفائها في العراق.
إلا أن الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف لا يرى ثمة حاجة إلى اعتراف إيران وممثليها في العراق بحقيقة ما حدث، لأن الحرب بالوكالة قد بدأت مع الضربات الجوية الأربع. مؤكدا أن إيران لا تريد أن تظهر كما لو أن إسرائيل انتصرت عليها في العراق كما فعلت في سوريا من قبل. وهو ما خضع له زعماء الحشد الشعبي حين رفضوا ربط الانفجارات بقصف إسرائيلي.
وقال يوسف في تصريح لـ”العرب” إن إلقاء تبعة كل التفجيرات على عاتق تنظيم داعش يبدو مستحيلا بل يدعو إلى السخرية. ذلك لأن التفجير الأخير حدث في قضاء بلد وهو منطقة محصنة طائفيا. لذلك صار هناك ميل للاعتراف بأن ما حدث هو جزء من الحرب البديلة التي كان الإيرانيون وأتباعهم يخططون لوقوعها، لكن بالطريقة التي تنسجم مع مشروعهم من جهة التوقيت والمكان.
وأضاف “لأن إسرائيل هي التي بدأت بالهجوم فإن إيران فقدت القدرة على المبادرة. وبعد أن فقدت إيران معظم سلاحها الصاروخي في العراق فمن المستبعد أنها ستعوض ما فقدته. فالأمر الآن أصبح مكشوفا بما يهدد وضع الحكومة العراقية التي لم يصدر عنها أي تصريح يتعلق بالأحداث التي تجري على أراضيها كما لو أنها غير معنية بالأمر. وهو ما يؤكد أن المخازن التي هوجمت كانت تابعة للحرس الثوري الإيراني”.
العرب