لندن – تشير التقارير إلى أن العنف الذي يواجهه الأطباء وسائر أفراد الطاقم العامل في القطاع الطبي بالعراق، بصدد إلحاق ضرر بالغ بالقطاع قد يصل حدّ استحالة الوصول إلى الرعاية الطبية في هذه الدولة المضطربة.
إن العنف المسلّح والابتزاز وأعمال الانتقام والإيذاء الجسدي واللفظي والنقص المزمن في الموارد، تدفع القطاع الطبي العراقي إلى حافة الهاوية.
وقد أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نوفمبر الماضي حملة بعنوان “الرعاية الصحية في خطر” للتوعية بالمخاطر المحدقة بالقطاع الطبي، لكن دون جدوى.
وقال الدكتور فاضل مصطفى، العضو في نقابة الأطباء العراقيين، إن قضية العنف ضد الأطباء والممرضين والعاملين بالمستشفيات أصبحت حقيقة ثابتة، مضيفا “العنف الذي يواجهه الأطباء معروف منذ زمن”، ومحذّرا من أن “أساليب جديدة مثل الاختطاف والابتزاز ظهرت بعد العام 2003”.
وكشفت دراسة استقصائية محلية عن رغبة الخريجين المبتدئين في مغادرة العراق والاستقرار بالخارج. وقالت “ما يقدر بنحو 70 بالمئة من الذين تم سؤالهم إنهم يرغبون في المغادرة، بينما قال 98 بالمئة إنهم يعتقدون أن العنف سيستمر في ملاحقة مقدّمي خدمات الرعاية الصحية”.
وأخبرت شيماء الكاملي الطبيبة العاملة بالبصرة جنوبي العراق والتي تخرجت من كلية الطب بجامعة بغداد في عام 2009 قناة فرانس 24 أنه من بين 348 من زملائها الذين تخرجت معهم، غادر 285 البلاد. ومن 2004 إلى 2007، شهدت بغداد انخفاضا بنسبة 22 بالمئة في عدد الأطباء المتخصصين، حسبما ذكرت دراسة نشرت في مجلة “سوشيال ساينس آند مديسين جورنال”.
وغالبا ما يتعرض الأطباء لتهديدات من قبل أفراد أسرة المريض. ويقدم المراقبون ممن يتابعون الأحداث عن كثب تفسيرات مختلفة لما يحدث، لكن الرأي العام يلقي باللوم في تلك الأفعال على التخلّف والقبلية.
وقد أدى التناقص السريع في موارد الدولة العراقية وتراجع قدرتها على التمويل إلى تقويض العديد من القطاعات وشلّها. وأدى بالنتيجة إلى تراجع هيبة الدولة وشجّع العشائر على
إقامة “العدالة” على طريقتها وبحسب وجهة نظرها. وقال طبيب يبلغ من العمر 32 عاما “يختلق المهاجمون القبَليون ادّعاءات الإهمال الطبي كي يحمّلونا نحن الأطباء مسؤولية وفاة أحد أفراد الأسرة، حتى لو مات خارج المستشفى”.
وشهد العام 2003 أكبر أزمة عاشها القطاع الطبي العراقي بعد غزو الولايات المتحدة للعراق. ولا تزال الآثار المترتبة عن تغيير النظام قسريا قائمة حتى الآن.
وقال الطبيب المقيم في العاصمة بغداد “عدد قليل من الناس يقدرون العمل الذي نقوم به”، مشيرا إلى أنه يحلم باستكمال حياته في أوروبا حيث يمكن أن يكسب الاحترام الذي فقده في العراق.
ولم يعد باستطاعة مسؤولي وزارة الصحة أن ينكروا الأذى الجسدي الذي يتعرض له الأطباء يوميا، لكنهم لم يقدموا سوى القليل من الحلول السطحية. وكان آخر تلك الحلول وأكثرها إثارة للسخرية مقترح بتزويد الأطباء وموظّفي القطاع الطبّي بالأسلحة على ألّا تُستخدم إلّا عندما يحتاج هؤلاء إلى حماية أنفسهم.
ويذكّر البعض بأنّ قانون العقوبات العراقي لعام 1969، يوفر الحماية للأطباء والأطقم العاملة إلى جانبهم، لكنهم يقولون إن هذا القانون مجرد حبر على ورق، وإنّ قلة قليلة من المستشفيات تطبّقه فيما البقية تتجاهله خوفا من إثارة غضب القبائل.
وقال مهند الطبيب المقيم “أن تكون طبيبا في العراق اليوم معناه أنّك ستتقاضى 4.5 دولار في الساعة، ولا تتوفَّر لك أي حماية أثناء العمل، وأن تواجه احتمال التعرّض للقتل على يد أحد أقارب المريض بعد ساعة من وفاته”.
ولم يقم أي مسؤول في الدولة العراقية بممارسة ضغوط نشيطة على البرلمان بهدف تقديم قانون لحماية العاملين في مجال الرعاية الصحية. وعلى الرغم من أن العنف ليس بالأمر الجديد، إلا أن اللجوء إليه يؤثر بشكل سلبي على القطاع الطبي.
وقد أثارت حملة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الرأي العام ولكن ليس بما يكفي لثني الكفاءات الطبية العراقية عن الفرار إلى الخارج. فاللجوء المستمر إلى العنف، بما في ذلك العنف المسلّح، وإلى الإساءات اللفظية، يرسّخ عدم ثقة المريض والطبيب على حدّ سواء، ويدفع نحو تقويض نظام الرعاية الصحية في العراق وسلامة موظفيه.
العرب