صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤخرا، من لهجته وحدة تهديداته بشن عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة، في خطوة يعتقد البعض أنها تأتي ضمن الدعاية الانتخابية، فيما يرى آخرون أنها بالفعل قرع لطبول الحرب.
تهديدات تأتي بالتزامن مع تكرار حوادث إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه جنوبي إسرائيل، ومحاولات مجموعات متفرقة من الشبان الفلسطينيين تنفيذ هجمات فردية غير منظمة تستهدف قوات الاحتلال على حدود القطاع.
التصعيد الكلامي الصادر أيضا عن عدد من وزراء حكومة نتنياهو، يأتي قبل أسابيع قليلة من إجراء انتخابات الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، المقررة في 17 سبتمبر/ أيلول المقبل، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية هذه التهديدات، وإن كان الهدف منها الدعاية الانتخابية من فقط دون نية حقيقية لتفعيلها.
والأحد، هدد نتنياهو بإمكانية شن حرب واسعة على غزة، قائلا إنه “يدفع باتجاه معركة واسعة النطاق ضد القطاع”.
وأضاف: “نحن مستعدون لمعركة واسعة، وفي حال حصل ذلك، فستكون ضربة عسكرية قاصمة مختلفة عما سبق”.
وردت “حماس”، التي تحكم غزة منذ عام 2007، على تهديدات نتنياهو، معتبرة أنها “فارغة المضمون”.
وقال المتحدث باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع، عبر “تويتر”، بالقول إن “تهديدات نتنياهو تأتي في إطار المزايدات الانتخابية والاستهلاك الإعلامي”.
وأضاف أن “ضربات المقاومة التي أفشلت أهداف نتنياهو على مدار رئاسته الطويلة للحكومة، وجعلت من جيشه أسيراً وقتيلاً وجريحاً، هي اليوم أقوى من ذي قبل، وقادرة على إفشال أهدافه من جديد”.
دعاية انتخابية
الكاتب السياسي الفلسطيني، مصطفى الصواف، يرى أن التهديدات المتزايدة التي يطلقها نتنياهو وعدد من وزراء حكومته “تأتي في جزء كبير منها في سياق الدعاية الانتخابية”.
ويستدرك الصواف: “لكن هذا لا يعني أن إسرائيل لا تعد العدة لشن عدوان جديد على غزة خلال الفترة المقبلة”.
ويتوقع المحلل السياسي أن يكون العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد الانتهاء من مرحلة الانتخابات، إلا أنه لا يستبعد أيضا شن عملية عسكرية إسرائيلية قبل إجراء الاقتراع في حال وقوع أي حدث طارئ.
وأوضح: “نتنياهو يخشى في هذا الوقت شن أي عدوان جديد حتى لا يؤثر على وضعه في الانتخابات المقبلة، ولذلك يؤجل العدوان لكنه لا يلغيه”.
كما أشار إلى أن حركة “حماس” تحاول استغلال مخاوف نتنياهو من شن هجوم على غزة قبل الانتخابات، للضغط عليه عبر جولات التصعيد المحدود، حتى يلتزم ببنود اتفاق التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
ويعتقد الصواف أن حدة التوتر بين غزة وإسرائيل سترتفع كلما اقترب موعد الانتخابات الإسرائيلية، لافتا إلى أن الفصائل الفلسطينية المسلحة ستواصل ضغوطها على نتنياهو لإجباره على تنفيذ تفاهمات التهدئة، والأخير سيواصل تهديداته وربما الهجمات والغارات المحدودة لتعزيز قوته الانتخابية.
“نتنياهو يخشى الحرب”
في السياق نفسه، يقول الكاتب السياسي، مصطفى إبراهيم، إن “نتنياهو يخشى عواقب شن حرب جديدة على غزة، لأنها بالتأكيد ستؤثر على حظوظه في الانتخابات المقبلة”.
ويضيف إبراهيم: “يتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي بحذر مع ملف غزة، فهو لا يريد شن عدوان جديد حاليا لا يعرف أين سيقوده في ظل تطور قدرات المقاومة في القطاع، ويستبدل هذا العدوان بسياسة الحصار والتجويع التي لا تقل قسوة عن الحرب”.
ويعتبر إبراهيم أن “حماس” ومعها الفصائل الفلسطينية تدرك أن نتنياهو لا يريد حاليا الذهاب إلى حرب، ولذلك تحاول الضغط عليه للالتزام باتفاق التهدئة الذي يحاول التملص منه والمماطلة في تنفيذ بنوده.
وأشار إلى أن “إطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة من غزة باتجاه إسرائيل، والعمليات الفردية المسلحة قرب حدود القطاع، والصواريخ التي لا تتبنى الفصائل إطلاقها، كلها وسائل ضغط على الحكومة الإسرائيلية”.
لكن المحلل السياسي الفلسطيني يرى أنه في حال فقدان السيطرة على حالة التوتر القائمة ستتجه إسرائيل لمهاجمة غزة تحت الضغط الشعبي الإسرائيلي وضغط أحزاب اليمين المتطرف على نتنياهو.
وأوضح أنه في حال وقع حدث كبير نتج عنه عدد كبير من القتلى في صفوف الإسرائيليين، فقد تنقلب الأمور وتتجه إسرائيل إلى شن عملية عسكرية واسعة ضد غزة.
إلا أن إبراهيم يعتقد أن الظروف القائمة على الأرض لا توحي بأن عدوانا إسرائيليا على غزة قد يحدث قبل الانتخابات.
ويقول: “بعد الانتخابات ربما تتجه إسرائيل لشن عملية عسكرية واسعة ضد غزة”.
حرب بعد الانتخابات؟
وفي ذات الاتجاه، يرى الكاتب السياسي، طلال عوكل، أن تهديدات نتنياهو لغزة لن ترتقي لحرب قبل الانتخابات، لأن “أي عملية عسكرية يشنها قد تؤثر على موقفه الانتخابي”.
ويرجح عوكل أن تهديدات نتنياهو الأخيرة لغزة تأتي في سياق الدعاية الانتخابية، والرد على خصومه السياسيين ممن يتهمونه بالضعف أمام “حماس”، وفقدان قوة الردع أمامها.
وتابع: “إسرائيل لا تركن إلى حالة الهدوء القائمة حاليا، وبعد إجراء الانتخابات من الممكن أن تتدهور الأمور وتندلع الحرب”.
فـ”بعد الانتخابات”، يضيف: “سيتحرر نتنياهو أو أي رئيس وزراء قادم من ضغوط نتائج الاقتراع، ويمكن حينها أن يقدم على تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد غزة في حال تصاعد التوتر مع الفصائل الفلسطينية”.
ويشير عوكل إلى أن حركة “حماس” تحاول أن تستغل عدم رغبة نتنياهو في شن حرب جديدة على غزة قبل الانتخابات، للضغط عليه ودفعه لتنفيذ اتفاق التهدئة.
وشنت إسرائيل خلال السنوات الماضية ثلاثة حروب على غزة، بدأت أولها عام 2008، والثانية نهاية 2012، والثالثة في عام 2014، نجم عنها آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وتدمير آلاف الوحدات السكنية.
الاناضول