تنصب الأعين على الوجهة المقبلة للجيش السوري بعد استعادته لمدينة خان شيخون، وسط تساؤلات حول ما إذا كان سيقتصر على تطبيق اتفاق سوتشي ورسم حدود المنطقة العازلة بالنار، بعد أن ماطلت تركيا في الوفاء بتعهداتها أم أن هناك نية لاستعادة كامل المحافظة ومحيطها؟
وإلى حد الآن يبدو أن الجيش السوري يركز في تقدمه على المناطق التي من المفروض أنه جرى التفاهم بشأنها بين الجانبين الروسي والتركي في سبتمبر الماضي، ومنها استعادة الطريق الدولي دمشق-حلب، الذي يمر من خان شيخون.
وجرى التوصل إلى اتفاق سوتشي خلال لقاء قمة بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في 17 سبتمبر، على البحر الأسود ويقضي الاتفاق بإقامة منطقة عازلة بعمق 20 كلم في إدلب مع سحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الفصائل المقاتلة، وانسحاب الجماعات الجهادية إلى الحدود التركية.
وهناك تسريبات تتحدث عن تفاهمات أخرى غير معلنة تضمنها الاتفاق بينها استعادة الحكومة السورية للطريق الدولي الرابط بين دمشق وحلب، وأيضا مدينة جسر الشغور التي تتخذها الفصائل الجهادية منطلقا لاستهداف القاعدة العسكرية الروسية حميميم في محافظة اللاذقية.
وبقي هذا الاتفاق حبرا على ورق لا بل إن تركيا عمدت إلى استغلاله لربح الوقت وإطلاق يد الجماعات الجهادية التي تقودها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) في ديسمبر الماضي للسيطرة على معظم المحافظة ومحيطها.
ويبدو من خلال تحركات الجيش أن الهدف الحالي هو تطبيق اتفاق سوتشي بقوة السلاح، ولكن متابعين لا يستبعدون تكرار ذات السيناريو في مناطق خفض التصعيد الأخرى مثل الغوطة الشرقية وحلب في إدلب.
ويلفت هؤلاء إلى أن السياسة الروسية في سوريا مبنية أساسا على استعادة الحكومة السيطرة على كامل أراضيها، وهي تعتبر أن الوقت حاليا مؤات للقيام بهكذا خطوة، بعد النجاح في استعادة معظم المحافظات، وقبيل انطلاق أعمال اللجنة الدستورية التي شارفت القوى المعنية على تشكيلها. وأعلنت دمشق الخميس فتح معبر للمدنيين الراغبين في الخروج من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي.
ونقلت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مصدر بوزارة الخارجية أنه تم “فتح معبر إنساني في منطقة صوران في ريف حماة الشمالي بحماية قوات الجيش العربي السوري”. وأوضح المصدر أن الهدف هو “تمكين المواطنين الراغبين في الخروج من المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين في ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي” باتجاه مناطق سيطرة الحكومة في محافظة حماة (وسط).
ونشر التلفزيون الرسمي صورا تظهر حافلات خضراء اللون تنتظر عند معبر صوران في مشهد شبيه بما حصل خلال معارك الغوطة الشرقية وقبلها حمص الشمالي وحلب. ويلجأ الجيش السوري عادة إلى استراتيجية فتح المعابر أمام المدنيين للخروج من مناطق على وشك استعادة السيطرة عليها، إن عبر اتفاقات إجلاء أو عبر عمل عسكري.
ويتردد الكثير من سكان مدن وبلدات تسيطر عليها الفصائل المقاتلة في الخروج باتجاه المناطق الحكومية خشية تعرضهم للاعتقال أو إجبارهم على الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية. وعادة ما يتطلب الأمر وقتا ويجبر السكان على المغادرة على وقع اشتداد القصف. وسيطر الجيش الأربعاء على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي. وتمكن بذلك من فرض حصار على منطقة ممتدة من جنوب خان شيخون إلى ريف حماة الشمالي، وأغلقت كافة المنافذ أمام القوات التركية الموجودة في أكبر نقطة مراقبة في بلدة مورك في شمال حماة.
وتتواجد القوات التركية الداعمة للمعارضة في هذه النقطة وغيرها بموجب الاتفاق مع روسيا. ورحب الكرملين بسيطرة الجيش السوري على خان شيخون. وقال المتحدث باسمه ديميتري بيسكوف إن الرئيسين التركي والروسي قد يجريان اتصالا هاتفيا “خلال الأيام المقبلة”.
وأكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أهمية الاتفاقات حول إدلب، وقالت “في هذا السياق، نواصل تعاوننا مع تركيا في إطار اتفاق سوتشي”، فيما بدا أن موسكو تبقي على باب التفاوض مفتوحا مع أنقرة للتوصل إلى صيغة تسوية تحد من الخسائر في إدلب ومحيطها. وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين قد أعلن أن الرئيس التركي سيستضيف نظيريه الروسي والإيراني في قمة في أنقرة لبحث المسألة السورية في 16 سبتمبر، في دحض لترجيحات حول إمكانية إلغاء القمة الموعودة في ضوء التوتر التركي الروسي المكتوم بسبب إدلب.
ويقول الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر “بسيطرتها على خان شيخون، أعادت روسيا تكريس سطوتها، وتفوقها في أي نقاش حول إدلب كما ذكّرت الجميع بأنها قادرة على التصعيد أكثر”. ويوضح أن التطورات الأخيرة تظهر أن موسكو ودمشق “قادرتان على التقدم حول المواقع التركية وجعل قوات المراقبة التركية غير مهمة”، وإن كانتا غير مهتمتين بالتعرض لها، ما قد تكون له نتائج وخيمة.
العرب