شمال سوريا.. تعقيدات الحسابات التركية في اتفاقياتها مع أميركا وروسيا

شمال سوريا.. تعقيدات الحسابات التركية في اتفاقياتها مع أميركا وروسيا

شمال سوريا تلك الرقعة الممتلئة بالقوى الإقليمية والدولية التي تحاول كسب الجولات الأخيرة من النزال، في ظل أهميتها الكبيرة لتركيا لأسباب جغرافية وديموغرافية وسياسية وعسكرية كونها منطقة حدودية واسعة، هي في ذات الوقت تصنع تعقيدات كبيرة للحسابات التركية في اتفاقياتها المنفصلة مع الخصمين التقليديين الولايات المتحدة وروسيا.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد أعلنت أن الوزير مارك إسبر أجرى مباحثات هاتفية مع نظيره التركي خلوصي آكار، رحبا خلالها بتطبيق آلية أمنية في شمال شرق سوريا.

وأوضح المتحدث باسم البنتاغون في بيان أن الوزيرين أكدا نيتهما اتخاذ خطوات فورية ومنسقة لتطبيق الإطار المتفق عليه، بدليل إنشاء مركز التنسيق المشترك في تركيا.

في سياق متصل، قال إبراهيم قالن المتحدث باسم الرئاسة التركية إن جميع مواقع المراقبة التركية في سوريا -والتي أقيمت بموجب اتفاق مع روسيا وإيران- ستظل قائمة، وإن أنقرة ستواصل تقديم الدعم لها.
الاتفاق التركي الأميركي
ووفق الصحافة التركية، فإن بنود الاتفاق مع واشنطن تتمثل في قبول الأخيرة تأسيس منطقة آمنة شرقي الفرات، وتأسيس مركز عمليات مشتركة بين الجيشين لإدارة المنطقة، يكون مقره ولاية شانلي أورفا التركية، وتطهير المنطقة الآمنة من العناصر “الإرهابية” وسحب السلاح منها، فضلا عن وصول عمق المنطقة في بعض النقاط إلى ٢٥ كلم، إضافة لتنظيم دوريات مشتركة بالمنطقة.

الباحث الكردي بمركز عمران في إسطنبول بدر ملا رشيد يرى أنه يمكن مقاربة الاتفاق حول الممر الآمن شرق الفرات بين البلدين مع الاتفاق الحاصل حول مدينة منبج منتصف العام 2018، لكن بصيغة تعطي لأنقرة يداً أطول من عدة نواح.
فاتفاق منبج ينص على انسحاب مجموعة من العناصر التي رفعت تركيا أسماءهم وكانت تزيد على 250 اسما من وحدات حماية الشعب، وسحب سلاحها الثقيل، وهو ما حصل بجزء منه، بالإضافة لقيام الطرفين بدوريات على أطراف المدينة، تتحول في النهاية لدوريات مشتركة داخلها.

وقال الباحث للجزيرة نت “يبدو أن الاتفاق الأخير حول إنشاء ممر آمن شرق الفرات أسرع من ناحية التنفيذ، فهذه المرة أنشئ مركز عمليات مشتركة، بالإضافة للقيام بخطوات سريعة تتعلق بمخاوف تركيا الأمنية، حيث تتوارد أنباء حول سحب وحدات حماية الشعب لجزءٍ مهم من عناصرها وأسلحتها الثقيلة من الخط الحدودي إلى مناطق أكثر عمقاً، وفيما يتعلق ببند إنشاء ممر آمن فستكون الخطوة الأخيرة في العملية في حال سارت بسلاسة وتوافق فيما يتعلق بالبنود الممهدة لها”.

وفيما يتعلق بمصير اتفاق تركيا مع روسيا وإيران حول نقاط المراقبة، يعتقد الباحث أن الاتفاق إلى الآن سائر من حيث المبدأ، فالنقطة التركية التاسعة لاتزال بمكانها ولم تنسحب رغم محاصرة قوات النظام لها بشكلٍ كامل، كما أن تركيا خلال أشهر القتال الأخيرة كافة حاولت توجيه الاتهام -فيما يحدث بريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي- إلى النظام السوري مباشرة، ولم تقم بتوتير العلاقة مع روسيا وإيران التي أبدت حذراً بداية العملية فيما يخص الزج بكامل مليشياتها في المعركة.

وأضاف الباحث الكردي “إذا تم الاتفاق على الانسحاب فمن المتوقع أن تنشئ تركيا نقاط مراقبة جديدة، لا تكون معيقة لتقدم روسيا على الطريق M5 الواصل بين حلب ودمشق، والممثل لأحد أهم بنود اتفاق سوتشي”.

تصعيد روسي
من جهة أخرى، أكد الكاتب الصحفي التركي حمزة تكين للجزيرة نت أن الاتفاق بين تركيا وروسيا مازال مستمرا بشأن نقاط المراقبة التركية بإدلب، وإيران خارج هذه المعادلة، لافتا إلى أن أنقرة لن تسحب النقاط ولن تغير مواقعها، بل ستعمل على تأسيس نقطتين إضافيتين جنوبي إدلب.

وأشار الكاتب إلى أن روسيا منزعجة من الاتفاق التركي الأميركي، وخير دليل على ذلك التصعيد الروسي بإدلب الذي يعتبر ردا على الاتفاق التركي الأميركي ورسالة انزعاج.

وأوضح أن تركيا الآن تحاول تخفيف الغضب الروسي، حيث سيجري الرئيس رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا مع بوتين لهذه الغاية، والتأكيد على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد بإدلب. ويرى الكاتب أن الخيارات التركية في إدلب قد تتطور لعمل عسكري، حال تهور النظام السوري هنا أو هناك.

شمال سوريا
لايزال الوضع شمال سوريا مبهماً، فلا روسيا تريد خسارة تركيا بشكلٍ كامل في إدلب نتيجة الأدوار التي تقوم بها، ولا تركيا تريد الانسحاب الكامل من إدلب مخافة حدوث نزوحٍ لا يمكن التحكم به وستكون له آثار سلبية على الوضع الداخلي التركي، وستكون له آثار على التموضع التركي بمنطقة عفرين ودرع الفرات.

وضمن هذه المحاذير ترى روسيا أن العمليات الحاصلة بناء على عدم انسحاب جبهة النصرة من المسافة المحددة وفق سوتشي، كما أن تركيا تستند إلى الاتفاق في التأكيد على بقاء نقاط مراقبتها مكانها، حسب الباحث ملا رشيد ومراقبين آخرين.
وأوضحوا أن الوضع شرق الفرات لا يبدو بهذا التعقيد، فالعامل الروسي والنظام وإيران غائبون عن التوافقات التركية الأميركية، لذا تمتلك أنقرة وواشنطن فرصة أكبر للنجاح في حال تم الاتفاق على خطوات تنفيذية غير جراحية، وهو ما يمكن حدوثه في حال استمر الضغط التركي مع قبول وحدات الحماية وقوات “سوريا الديمقراطية” بالاتفاق، وفتح المجال في مناطق سيطرتهم لمشاركة أوسع من مكونات المنطقة التي يحكم الخلاف بينهم من العرب والكُرد.

الجزيرة