يجد النظام التركي نفسه في موقف صعب على وقع توالي إنجازات الجيش السوري في ريف حماة الشمالي، حتى أن الأخير فرض الجمعة طوقا من مختلف الجهات على القوات التركية في مورك، التي لم يعد لها من خيار عملي سوى الانسحاب.
دمشق- عزّز الجيش السوري تقدمه في ريف حماة الشمالي بسيطرته، الجمعة، على عدد من البلدات بينها مورك حيث توجد أكبر نقطة مراقبة تركية باتت محاصرة اليوم بشكل كامل، وهو ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في محاولة لحماية جنوده المطوّقين، وحفظ ماء الوجه.
وأعلنت الرئاسة التركية أن أردوغان سيقوم بزيارة إلى موسكو في 27 أغسطس الجاري، فيما بدا أن الهدف هو تقديم عرض جديد، لتجنب المزيد من الخسائر والحصول على ضمانات بشأن نقاط المراقبة.
وكانت تركيا تعتقد أن وجود نقاط مراقبة تابعة لها منتشرة في ريف حماة الشمالي ومحافظة إدلب من شأنه أن يحول دون أي اندفاعة عسكرية تستهدف المشهد القائم في المنطقة، بيد أن حسابات أنقرة أتت معاكسة لتوجّهات موسكو التي حسمت أمرها باتجاه إنهاء ما تعتبره وضعا شاذا ببقاء الجماعات الجهادية.
وتستشعر تركيا أن أهداف موسكو ودمشق من العملية العسكرية التي انطلقت منذ أبريل الماضي وتشهدت في الأيام الأخيرة زخما كبيرا، تتجاوز مجرد رسم حدود المنطقة العازلة التي تم الاتفاق عليها سابقا بالقوة إلى نيّة الحكومة السورية استعادة السيطرة على كامل إدلب ومحيطها.
وتعكس تصريحات الرئيس التركي لنظيره الروسي وجود هذه المخاوف، حيث قال أردوغان إن هجمات الجيش السوري شمال غربي البلاد تتسبب في أزمة إنسانية كبرى، وتشكل تهديدا للأمن القومي التركي.
وذكر بيان الرئاسة التركية أن أردوغان أبلغ بوتين بأن الهجمات انتهكت وقفا لإطلاق النار في إدلب، وألحقت الضرر بالجهود الرامية إلى حل الصراع في سوريا. فيما أعلن الكرملين أن الرئيس الروسي ونظيره التركي اتفقا، على “تفعيل الجهود المشتركة” بشأن إدلب.
ووفق الكرملين، فقد اتفق الرئيسان اللذان يتوقع أن يلتقيا في 16 سبتمبر المقبل، برفقة الرئيس الإيراني حسن روحاني، على “تفعيل الجهود المشتركة بهدف التخلص من التهديد الإرهابي القادم من تلك المنطقة”.
ووضع تقدم الجيش السوري في الآونة الأخيرة الجنود الأتراك المتمركزين في ريف حماة الشمالي في مرمى النيران وتسبّب في نزوح مئات الآلاف، الأمر الذي لا يهدد فقط بتقويض آمال النظام التركي في إبقاء سيطرته على شمال غرب سوريا عبر الجماعات الجهادية التي يدعمها، بل وأيضا يعرّض بلاده لموجة لجوء غير مسبوقة، في الوقت الذي يواجه فيه انتقادات داخلية متزايدة بسبب احتضانه لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة أمامهم منذ اندلاع الأزمة.
وسيطر الجيش السوري، الجمعة، على عدة بلدات وقرى عدة في ريف حماة الشمالي ومنها مورك ومحيطها، حيث توجد نقطة المراقبة التركية التاسعة، التي أنشأتها تركيا بموجب اتفاق سوتشي الذي جرى التوصل إليه في سبتمبر الماضي.
ويقضي الاتفاق إلى جانب نشر نقاط مراقبة تركية بإنشاء منطقة عازلة بعمق أكثر من 20 كلم، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الفصائل المقاتلة، وانسحاب الجماعات الجهادية الممثلة في هيئة تحرير الشام إلى الحدود التركية.
ولم تنفذ تركيا، المعنية الأساس بتطبيق الاتفاق، أي بند منه باستثناء نشر 12 نقطة مراقبة فيما يبدو أن هدفها هو تعزيز حضورها في المنطقة واستغلال الاتفاق لإضفاء نوع من الشرعية على هذا الوجود، وأيضا لمنع أي تدخل عسكري، على أساس أن موسكو لن تسمح بأي مواجهة مباشرة بين أنقرة ودمشق.
ويقول محللون إن نقطتي المراقبة الموجودتين في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي لم يعد لوجودهما أي تأثير أو فائدة، ولا يرجّح أن يُقدم الجيش السوري على التعرض لهما.
ويلفت هؤلاء إلى أن الإصرار التركي في الحفاظ على نقطة المراقبة في مورك إلى جانب النقطة العاشرة في شير مغار، لا يعدو أن يكون محاولة لحفظ ماء الوجه في ظل تضعضع صورة النظام التركي في الداخل، كما أن أنقرة تخشى من أن سحب النقطتين سيزيد من انهيار معنويات الفصائل المقاتلة والجهادية المنتشرة في باقي المناطق، ويقدم صورة على أنها تنازلت عن دعمها.
وجدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو تأكيده من بيروت الجمعة أن جنود بلاده لن يغادروا نقطة المراقبة المطوقة في مورك. وقال أوغلو في تصريحات للصحافيين في مقر وزارة الخارجية على هامش زيارته للبنان “لسنا هناك لأننا لا نستطيع المغادرة ولكن لأننا لا نريد المغادرة”، نافيا أن تكون القوات التركية في بلدة مورك “معزولة”.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، إن “قوات النظام انتشرت في مورك وكامل ريف حماة الشمالي من دون أن تتعرض لنقطة المراقبة التركية”. وأوضح أنها “باتت محاصرة بشكل كامل ولم يعد لها أي مخرج”. إلا أن أوغلو شدد للصحافيين في بيروت على أن هذه النقطة “ليست مطوقة وليس بإمكان أحد أن يعزلها”، قائلا في الوقت ذاته إن “قوات النظام تقود أنشطة في محيطها”. وأفاد “نناقش هذه المسألة مع روسيا وإيران”.
ويرى مراقبون أن تركيا تبدو في موقف صعب جدا، في ظل شعور بتفوق الجانب الروسي والسوري في معركة التحدي في إدلب، وكانت تركيا قد حاولت قبل أيام إنقاذ الفصائل وخلق حالة من التوازن بإرسال نحو 50 مدرعة ودبابة محملة بالذخائر على ريف إدلب الجنوبي، وقوبلت هذه الخطوة برد حاسم من خلال استهداف سلاح الجو الروسي والسوري للرتل، ما أوقف تقدمه.
وضع تقدم الجيش السوري الجنود الأتراك المتمركزين في ريف حماة الشمالي في مرمى النيران وتسبّب في نزوح مئات الآلاف، الأمر الذي يعرّض أنقرة لموجة لجوء غير مسبوقة
ويراهن أردوغان على الاجتماع الذي ستحتضنه أنقرة في 16 سبتمبر، وقبلها على زيارته إلى موسكو لتعويض خسائرها العسكرية سياسيا، ولكنّ محللين يرون أن الطرفين الروسي والإيراني لن يمنحاها الفرصة، خاصة مع مراكمة الجيش السوري للإنجازات إلى حين موعد الاجتماع الموعود.
ويتوقع المحللون أن يواصل هجومه في إدلب في الفترة المقبلة، ويقول الباحث المواكب للشأن الروسي سامويل راماني “أرى الأسد يواصل هجومه مستفيدا من الزخم الحالي، ويسيطر على المزيد (من المناطق) في إدلب”.
وتعتبر إدلب آخر معاقل الفصائل المعارضة والجهادية وفقدانها سيعني خسارة كل أوراق المساومة على طاولة التسوية السياسية. وتشهد سوريا نزاعا تسبّب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص.
العرب