عندما تتابع كلَّ تغريدة وخطاب وكل وعد انتخابي لدونالد ترمب، كما كنت أفعل منذ أن انتقلت في يناير (كانون الثاني) إلى مكتب الإندبندنت في نيويورك، فإنك تبدأ في التساؤل عما إذا كنت تشاهد أداءً فنياً أكثر مما هو أداء رئاسياً.
وخلال هذا الأسبوع نشر الرئيس تغريدة قال فيها “أعد بألا أفعل هذا بغرينلاند!” وقد أرفق التغريدة بصورة لبرج ترمب اللامع على قمة قرية صغيرة في المنطقة الدنماركية ذات الحكم الذاتي (كما أعاد تغريدة من مضيف برنامج التابلويد جيرالد ريفيرا رد فيها على ترمب بعباره: “هاها”).
وكذلك أعاد ترمب نشر تصريح للإعلامي (المثير للجدل) واين ألين روت، الذي لقبه فيه بـ “ملك إسرائيل،” قائلاً “الشكر إلى واين ألين روت على الكلمات اللطيفة جدًا.” وكان روت قد وصف ترمب في تغريدة بـ “أعظم رئيس ليس بالنسبة إلى أميركا فقط، بل ولليهود ولإسرائيل، في تاريخ البشرية”، مضيفاً “اليهود في إسرائيل يحبونه وكأنه ملك إسرائيل. يحبونه كما لو كان يمثل المجيء الثاني للرب”.
ثم استشاط غضباً، بطبيعة الحال، خلال مؤتمر صحافي، عندما وصف رئيسة وزراء الدنمارك، ميتي فريدريكسن، بـ “البغيضة،” وأضاف إذا كان الاقتصاد الأميركي متجهاً نحو الركود، “فدعونا نشهد ركوداً”. وبخصوص الحرب التجارية مع الصين، قال إنها “كان يجب أن تحدث قبل سنوات”، وأنه “الشخص المختار” لخوضها. ولكن إلى اليوم الأمور على ما يرام.
ولأن عرضه شراء غرينلاند واستخدامه لغة خلاصية في بعض الحالات تصدرا عناوين الأخبار الرئيسة في تتابع سريع، يَفترض العديد من الناس أن ترمب فقد صوابه أخيراً، وأنه يحسب أنه يسوع، ويعتقد أنه العودة الثانية للمخلص، وأنه ملك إسرائيل، أي أنه لوك سكاي ووكر وهاري بوتر في جسد في واحد. لقد بدأ الناس يتساءلون بصراحة عما إذا كان يعاني من الخرف أو من نوبة ذهانية فصامية (وهي بصراحة إهانة لأولئك الذين يعانون من هذه الحالات). أما آخرون، فيرون أنه ربما يعاني من انخفاض في معدل الذكاء ولا يفهم أن الرئاسة ليست لعبة، أو أنه عبقري شرير عازم على تحويل أميركا إلى دولة استبدادية بمساعدة صديقه الجديد الصدوق كيم جونغ – أون.
هذه كلها سرديات مقنعة، وليس لدي شك في أن الكثير من الناس يصدقونها. ولكن الحقيقة هي أن دونالد ترمب هو رجل محظوظ ومحظي يتمتع بمعدل ذكاء متوسط ويعرف كيف يثير حماسة الناس. ويجدر التذكير هنا بنشره صورة ساخرة لغلاف مجلة تايم أظهرت امتداد ولاية “ترمب 2020” إلى “ترمب 2100” ثم إلى “ترمب للأبد.” وجاء ذلك بعد وقت وجيز من تهديده بمعاقبة الديمقراطيين على سلوكهم السيّء من خلال تمديد ولاية رئاسته (وهو ما لمح إليه مرة أخرى اليوم).
وقوبل عدم فهم زعيم العالم الحر كيفية عمل الديمقراطية بالاحتجاج. وهذا متوقع. ولكن لنكن صادقين: نحن نعرف أن ترمب يدرك كيف تعمل الديمقراطية. وهو يعرف النظام الأميركي من كثب، ولا يخفى عليه أن التلاعب بالناخبين يسير. وفي وسعه البقاء في السلطة داخل حدود هذا النظام القائم، وهو يعرف ذلك. عليه فقط الاستمرار في فعل أكثر ما تحبه قواعده الشعبية، أي “تصيد الليبراليين”.
عندما تم ضبط الإعلامي الشهير بقناة “سي إن إن” كريس كومو مؤخراً على الكاميرا وهو يصرخ على الملأ في رجل ناداه بـ “فريدو”، أعاد الرئيس نشر تغريدة أحد معجبيه تحتوي على صورة لفيلم “العرّاب” مع تعليق “حسناً يا فريدو”. وقد رد أحد المتابعين بصورة للرئيس وهو ينظر إلى ساعته مع عبارة “حسناً انظروا كم الساعة! حان وقت مضايقة الليبراليين … بتغريدة!”.
هذا الخطاب الذي يعتبر الليبيراليين سريعي الاستفزاز والتوتر ويشعرون بالإساءة بسهولة يلقى استحسان اليمينيين المتطرفين الأميركيين. فهو يتيح لهم أن يكونوا من محبي الحرية، الذين يُسَمُّون الأشياء بمسمياتها، ومن يقدمون حلاً ذكياً للمشاكل الصعبة. إنه يتيح لهم أن يكونوا هم الأميركيين الحقيقيين. وفي المقلب الآخر، هناك يساريون سخيفون، غافلون عما يجري ولا يمكن الوثوق في عدم هربهم بعد كل عملية تشتيت انتباه يبادر إليها الرئيس. فبينما يُشغلهم بإحدى تغريداته، يعمل هو على إنجاز الأمور الفعلية التي يخشى الديمقراطيون القيام بها. وما تقدم هو ما يريد ترمب بشدة أن تعتقده قواعده الشعبية.
يُفترض أن يكون هذا الأمر واضحاً، ليس وراء حب مؤيدي ترمب له احترامه قواعد السلوك اللائقة وجدية منصبه. إنه ليس رئيساً خلف الأبواب المغلقة. إنه رئيس يغرد من على سريره، والأشخاص الذين يعيشون في ولايات تبعد مئات الأميال عن واشنطن العاصمة ولم يشاركوا مطلقاً في الحياة السياسية، يقدرون منحهم لمحة عن شيء لم يسبق لهم أن عرفوه من قبل. ولماذا لا تكون الرئاسة مثل تلفزيون الواقع، في بلد لا توجد فيه قيود على إدخال الكاميرات إلى قاعات المحكمة والتعبير عن الرأي عما إذا كان شخص ما مذنباً أم لا قبل إدانته؟ لماذا على دونالد ترمب أن يستخدم اللغة التي يستخدمها أي شخص آخر، تلك اللغة الرصينة والمشذبة التي تضمر أكثر مما تفصح ويراد منها التواصل فقط مع حفنة من كبار المسؤولين والدبلوماسيين؟
صحيح أنه يتصرف كمدلل وطفولي، وصحيح أنه يتجاوز حدود الصواب. نعم، إنه يُلقي التعابير الثقافية مثل “المختار” في المحادثات ويشكر الناس على وصفه بالمجيء الثاني للرب على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن ما وراء رفعه الرهانات هذا الأسبوع؟ لقد دخل هذه الأيام في مزاج الحملة الانتخابية لعام 2020، وهو حريص على تمييز نفسه عن منافسيه. ويعلم أن تحريض الناس على جنون العنصرية في التجمعات لن يكون كافياً فحسب، ولا يخفى عليه أنه بحاجة أيضاً إلى الضحك معهم ومشاركتهم النكت والتمتع بروح الدعابة، ليكون رئيساً لا يخاطب المحامين الذين تلقوا تعليمهم في جامعة هارفارد وإنما الأشخاص الذين يحبون برنامج “ذي أبرنتيس” وNot being PC
بمعنى آخر، إذا فقدت أعصابك من انحدار دونالد ترمب إلى القعر اليوم، فأنت تقع مباشرة في مصيدته، وهذا ما يراهن عليه وينتظره منك.
اندبندت العربي