الحكومة العراقية تحاول بشتّى الطرق تفادي الحرج الناتج عن تعرّض عدد من مقرّات الحشد الشعبي للقصف، وتجاوز ضغوط الميليشيات الراغبة في دفعها إلى خيارات لا تقدر عليها إزاء واشنطن وتل أبيب المتهمتين بالضلوع في استهداف تلك المقّرات. ويبدو أنّ نتائج التحقيقات الحكومية بشأن القضية تمّ تفصيلها لتساعد في رفع العتب عن حكومة عادل عبدالمهدي.
بغداد – توصّلت تحقيقات حكومية عراقية في قضيّة استهداف عدد من مقّرات تابعة لميليشيات الحشد الشعبي بقصف من طائرات مسيّرة، إلى ضلوع إسرائيل في القصف، إلاّ أنّها أحجمت عن اتهام الولايات المتّحدة بالتواطؤ في عمليات الاستهداف وهو الاتهام الذي سبق أنّ وجهه عدد من قادة الفصائل المشكّلة للحشد للقوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية متوعّدين بالردّ عليها.
وبدت نتائج التحقيقات التي كشف عنها، الجمعة، بشكل مجمل النائب في مجلس النواب العراقي أحمد الأسدي الناطق باسم تحالف الفتح ممثل الحشد تحت قبّة البرلمان، مفصّلة بطريقة تؤدّي إلى تخفيف الضغط على حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورفع الحرج عنها.
ومنذ تعرّض تلك المقارّ والمواقع للقصف تطالب فصائل مشكّلة للحشد الشعبي وشخصيات متعاطفة معها بالردّ، الذي يشمل بحسب تلك المطالبات الولايات المتحدة.
وكان من ضمن السيناريوهات المحتملة للردّ، استهداف المصالح والقوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية.
وقال مصدر عراقي طلب عدم الكشف عن اسمه، معلّقا على ما رشح بشأن التحقيقات في قصف مقرّات الحشد “إنّ اتهام الولايات المتحدة بالتواطؤ كما تذهب إلى ذلك فصائل بالحشد يفتح إمكانية الردّ المباشر والمادي نظرا لما لواشنطن من مصالح ومن تواجد عسكري على أرض العراق، بينما اتهام إسرائيل لا يتيح سوى إمكانية الردّ الدبلوماسي والقانوني من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، نظرا لأن الوصول إلى أهداف إسرائيلية وضربها غير متاح لا للدولة العراقية ولا للميليشيات المطالبة بالرد على قصف مقرّاتها”.
وتستعد حكومة عبدالمهدي لتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، بعدما خلصت “بشكل قطعي” إلى وقوف إسرائيل وراء الهجمات على معسكرات ميليشيات الحشد الشعبي، بحسب ما قال برلماني قيادي في تلك الفصائل.
وواجهت الحكومة العراقية حرجا إزاء قضيّة تعرّض معسكرات الحشد الشعبي للقصف، والتي وضعتها تحت ضغط متزايد من قبل الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وبات مطلوبا من حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الردّ بشكل مناسب على عملية الاستهداف تلك بعد أن “أثبتت” التحقيقات ضلوع إسرائيل في قصف عدد من المعسكرات ومخازن السلاح التابعة للحشد الشعبي بطائرات مسيّرة ما أسفر عن تدميرها وقتل عدد غير محدّد من عناصر الميليشيات الموجودة بداخلها، إضافة إلى خسائر في أرواح وممتلكات عدد من المدنيين.
وتحاول الميليشيات الأكثر تشدّدا وارتباطا بإيران وضع حكومة بغداد إزاء معادلة صعبة تتمثّل في الردّ على إسرائيل والولايات المتّحدة، أو إفساح المجال للميليشيات للردّ على طريقتها، ومن ضمن الردود المحتملة استهداف المصالح والقوات الأميركية داخل الأراضي العراقية، وفق ما هدّدت به تلك الميليشيات.
ويعني ذلك بالنسبة للحكومة العراقية الغارقة في كم هائل ومتشابك من المشاكل والأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، توريط العراق في مواجهة بالوكالة بين إيران والولايات المتّحدة اللتين تشهد العلاقات بينهما توتّرا غير مسبوق منذ إعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات شديدة على طهران.
وحاولت السلطات العراقية ممثلة برئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة امتصاص غضب الميليشيات وسحب قضية قصف مقرّاتها من دائرة الصدام العسكري، إلى دائرة الردود القانونية والإجرائية.
وقال النائب أحمد الأسدي المتحدث باسم كتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي تحت قبة البرلمان العراقي في لقاء مع صحافيين في مكتبه بوسط بغداد، إن تحقيقات الحكومة توصلت إلى أدلة على تورط إسرائيلي في قصف مقرّات الحشد، قائلا “التحقيقات الحكومية توصلت إلى أن الفاعل في بعض هذه الأفعال هي إسرائيل، قطعا ويقينا”.
وأضاف “الحكومة تعكف على إعداد الأدلة والوثائق الكافية التي تخول لها تقديم شكوى إلى مجلس الأمن.. ولن تقدم شكوى ضد مجهول”.
ومنذ منتصف يوليو الماضي، تعرضت خمسة مخازن أسلحة ومعسكرات تابعة للحشد لتفجيرات بدا أنها هجمات. كما أن تلك الفصائل أطلقت النار في مناسبتين على طائرات استطلاع كانت تحلق فوق مقارها.
وقال الأسدي للصحافيين إن ضلوع الولايات المتحدة لا يزال غير واضح. وأضاف متسائلا “طائرات إسرائيلية مدعومة أميركيا: لا يمكن أن نتهم.. الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر: لا يمكن أن نتهم أيضا”. لكنه أشار مع ذلك إلى أن الحشد الشعبي كان يتوقع هجوما عليه وسط تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.
وتعليقا على نتائج التحقيق قال السياسي الشيعي عمار الحكيم الذي يرأس “تيار الحكمة الوطني”، الجمعة، إنّ “سماء العراق ليست مسرحا لأي اعتداء خارجي، وأرضه ليست ولن تكون مخزنا لأي سلاح غير عراقي”.
وأشار متحدّثا في حشد من أنصاره وسط بغداد “نتائج التحقيق في استهداف الحشد الشعبي، مؤخرا، تتطلب الوقوف بشجاعة وحزم مع الدولة لحفظ سيادتها وهيبتها وصيانة قرارها في التشخيص والمعالجة”، مضيفا “قوة الحشد الشعبي تكمن في انضباطه داخل المنظومة العسكرية الرسمية ووحدة قراره وقيادته، وأن أخطر ما يمكن أن يواجه الحشد هو خروجه عن إطار القانون”.
واختتم بالقول “نعلنها بصراحة، أيا كان المعتدي، إسرائيل أو من لف لفها.. عراق اليوم يختلف كثيرا عن عراق الأمس، وقدرته على الرد المناسب لا تحتاج إلى شعارات رنانة، نعرف جيدا متى وكيف يكون رد الصاع بصاعين، والأيام بيننا”.
العرب