عند نهاية الحرب العالمية الثانية، اختبرت وزارة الدفاع الأمريكية، وفي سرية مطلقة، تأثير غاز الخردل على جنودها السود والبورتوريكيين.
تبين أن الجيش الأمريكي استخدم هو أيضًا غرف الغاز؛ ففي نهاية الحرب العالمية الثانية أجرت وزارة الدفاع الأمريكية تجارب عسكرية من خلال اختبار تأثير غاز الخردل واللويزيت -وهو غاز أكثر سمّية- على جنودها.
وكشفت شبكة الإذاعة الوطنية الأمريكية (إن. بي. آر) عن أن فئران تلك التجارب كانت الجنود الأمريكيين من أصول إفريقية وبورتوريكيين، لأن العلماء أرادوا أن يعرفوا إذا كانت البشرة الداكنة تقاوم أكثر من غيرها الأسلحة الكيميائية.
أحد الجنود، إدوارد رولينز، والبالغ من العمر اليوم 93 سنة، يذكر كيف تم وضعه رفقة العشرات من الأمريكيين من أصل أفريقي في غرفة مغلقة، أينما وُضع فيها خرطوم كان يُخرج غاز الخردل، قائلاً: “كنا نشعر وكأننا نحترق. وبدأ الجنود يصيحون ويصرخون ويحاولون الخروج، كما أغمي على البعض منهم، ليسمح لنا في الأخير بالخروج“.
وأجريت هذه التجارب السرية للغاية على نحو 60 ألفًا من جنود البحرية والمشاة، وفي عشرات الأماكن. من بين الجنود الذين مروا بهذه التجربة المؤلمة كان هناك أميركيون من أصل ياباني، وكان العلماء يريدون أن يختبروا تأثير الغاز عليهم إذا كان هناك هجوم بالأسلحة الكيماوية على اليابان.
ولم يكن للجنود الخيار كما أنهم مُنعوا من أن يحكوا تجربتهم بعد أن هُددوا بالطرد من الجيش أو الزج بهم في السجن. وبما أن هذه التجارب حدثت في السر، فلم يتم تسجيلها في السجل الطبي لهؤلاء الجنود، كما أنهم لم يتلقوا أي تعويض أو مساعدة مالية. علمًا بأن غاز الخردل يضر بالجلد والأغشية المخاطية، ويسبب الحروق، ويدمر الشعب الهوائية، ويمكن أن يؤدي إلى سرطان الدم، وعدة سرطانات أخرى.
يقول إدوارد رولينز: ” تمزّق جلد يدي؛ بسبب هذا الغاز“، وهو لا يزال إلى اليوم يقوم بحك ذراعيه وساقيه بعد مرور أكثر من 70 عامًا على تلك التجارب. ولسنوات، كان يجمع ويخزن جلده المهتري، جرّاء الحك المستمر، في جرة من أجل استغلاله كدليل على مرضه، ولكن من دون فائدة.
تعهد الجيش بالبحث عن الجنود الذين تعرضوا لهذه التجارب
اعترف الجيش الأمريكي في تسعينات القرن العشرين بأنه لجأ إلى هذا النوع من التجارب، وتعهد بالبحث عن 4000 جندي من الذين خدموا كحقل تجارب في أصعب الاختبارات، وذلك بهدف جبر الضرر. لكن الجيش لم يلتزم بتعهداته. كما عاش بعض الجنود تجربة وضع المواد الكيميائية مباشرة على الجلد، كما تم وضع آخرين في غرف الغاز، وتعرض البعض الآخر لإلقاء هذه المواد السامة من الطائرات.
وعثرت شبكة الإذاعة الوطنية الأمريكية (إن. بي. آر) على وثيقة جاء فيها أنه في ربيع عام 1944، عندما حذرت أجهزة الاستخبارات من احتمال وشيك لهجمات كيماوية، وأن الجيش الأميركي يعمل على وضع خطة لصب الغاز في اليابان، قام البنتاغون بتجربة تأثير أنواع مختلفة من الغازات السامة على مجموعة من 39 جنديًا يابانيًا أمريكيًا، و 40 أمريكيًا من أصحاب البشرة البيضاء ولمدة عشرين يومًا.
ويقول خوان لوبيز نغرون-وهو من أصل بورتوريكي ويبلغ من العمر اليوم 95 عامًا- إنه تم إرساله إلى الغابة مع آخرين، وتم قصفهم بمادة كيماوية من قِبل الطائرات. وتسببت هذه المواد في حرقهم ليقضى لوبيز نغرون ثلاثة أسابيع في المستشفى وهو يعاني الحمى. كما تطوّع تشارلي كافيل، وهو جندي أمريكي أبيض، حين كان يبلغ من العمر 19 سنة، لتُجرى عليه تجارب الغازات السامة، في مقابل 15 يومًا من العطلة. وقال تشارلي كافيل: “لم يعلمونا بخطورة هذه التجارب“.
وتم حبس كافيل وأحد عشر جنديًا آخرين في غرفة غاز وتعرضوا لغاز الخردل. وكان في الغرفة كتل من الجليد لزيادة الرطوبة التي تزيد من آثار الغاز على الجلد، وبعد ساعة واحدة، تم إخراج ستة رجال. وبقي كافيل وبعض الجنود الآخرين، لتتحول بشرته إلى اللون الأحمر وبدأ يشعر بالاحتراق خاصة في أماكن الجسم الأكثر تعرقًا. وبعد ساعة تم إخراجه وبقية زملائه من الجنود ليعودوا إلى ثكناتهم وأزيائهم العسكرية مشبّعة بالغاز.
يعاني تشارلي كافيل اليوم من مرض السرطان مع معاناته لمشاكل في الجلد والجهاز التنفسي، وقد اشتكى إلى وزارة شؤون المحاربين القدامى في التسعينات، وحتى الآن لم يربح قضيته باعتبار أن القانون يحمي الجيش من الدعاوى القضائية عندما تكون هناك إصابات ناجمة عن أداء الخدمة العسكرية.
التقرير