الباحثة شذى خليل*
العراق أرض السواد .. هكذا كان يطلق على ارض الرافدين ، وتسمية ارض السواد لكثرة انتشار اشجار النخيل على الأرض المعمورة، وحسب التصنيفات الرسمية فإن العراق كان في مقدمة دول العالم في عدد اشجار النخيل من حيث الانتاج كماً ونوعا وأصنافا و تصديرا.
وكانت أعداد النخيل في العراق، وفق إحصائيات أجريت في السبعينيات، تصل إلى حوالي 50 مليون نخلة، إلا أنّ الحروب والظروف الصعبة والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي تسببت في هبوط العدد إلى حوالي 30 مليون نخلة حسب إحصاء تقريبي أجري عام 2002، واستمر تناقص أعداد النخيل حتى وصل إلى 16 مليون نخلة فقط في عموم البلاد، وفق إحصاء عام 2014.
ويحوي العراق أكثر من 650 صنفاً من النخيل (التمور) من حوالي 2000 صنف من النخيل في العالم، ويعدّ العراق أكثر بلد يحتوي على أصناف نخيل مقارنة مع بقية البلدان، وينتشر عدد من الأصناف المحلية النادرة فيه، منها البرحي، والحلاوي والساير، والأشرسي، والديري، وغيرها، وتغطي مزارع النخيل مساحات واسعة من البلاد.
تاريخيا يعد العراق من أقدم مواطن زراعة النخيل في العالم، إذ كان أول ظهور موثق لشجرة نخيل التمر في العالم القديم في مدينة “اريدو” التاريخية الواقعة في جنوبي العراق (حوالي 4000 ق.م) والتي كانت منطقة رئيسية لزراعة نخيل التمر، كما يوجد في المتحف العراقي ختم يحتوي على رجلين بينها نخلة تمر يعود إلى عصر الاكديين (حوالي 2730 ق.م).
وتحتوي مسلة حمورابي (حوالي 1754 ق.م) على سبعة قوانين متعلقة بالنخيل، منها قانون يفرض غرامات كبيرة على من يقطع نخلة، وقوانين أخرى تتعلق بتلقيح الاشجار، وبالعلاقة بين الفلاح ومالك الارض، وعقوبات على الاهمال وعدم العناية، حيث تَفرض على الفلاح ان يدفع إيجار البستان كاملا إلى المالك اذا سبب اهماله او عدم عنايته بالأشجار إلى قلة انتاج التمر.
كان الاشوريون يقدسون اربعة اشياء، هي نخلة التمر والمحراث والثور المجنح والشجرة المقدسة.
ومنذ نهاية الستينيات من القرن الماضي، كان العراق يصدر نحو 75% من تمور العالم، ويحتل المراتب الأولى، إلا أنه بدأ يتراجع بسبب الحروب وبالأخص بعد عام 2003 ، حيث قلة المياه وانتشار الآفات الزراعية كحشرة الدوباس والحميرة التي تقتل الكثير من بساتين النخيل.
من أهم المشكلات التي يعاني منها قطاع التمور، يؤكد المستشار الاقتصادي عبد الصمد المشهداني ضعف التخطيط وغياب التنسيق بين المؤسسات الحكومية العراقية مستشهداً بالتناقض الكبير في بيانات وزارتي التخطيط والزراعة بشأن إنتاج العراق من التمور لعام 2016 ، حين أعلنت وزارة التخطيط أن مجمل الإنتاج المحلي بلغ 615 ألف طن في حين كان الرقم المعلن من وزارة الزراعة 850 ألف طن.
لكن في ظل الفوضى العارمة في البلد التي طالت جميع القطاعات والتي تشمل الزراعة والتوريد الى القطاع الحكومي، وعدم السعي الجاد لإعادة افتتاح معامل التصنيع المتوقفة، والتي يؤكد أنها وحدها قادرة على توفير 150 ألف فرصة عمل لأهالي المدن المتواجدة فيها تلك المصانع.
يعد الإهمال الحكومي وقلة الدعم والحروب وسوء التسويق، من أبرز أسباب انهيار صناعة التمور العراقية وانتكاساتها المتوالية، يضاف إلى ذلك عدم قدرة الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور على تغليف هذه السلعة لتنافس المعروض في الأسواق من تمور دول الجوار، بحسب رصد خبراء ومختصين في الزراعة.
ولا ننكر بين ماضي تجارة التمور التي بلغت حدا كبيرا من الازدهار سنة 1969 ، حين شرّعت الحكومة العراقية قانونا خاصا ينظم تصديرها ويوزعها بشكل متساو على الأسواق العالمية، كما تمكن العراق في تلك الفترة من الحصول على ورادات ضخمة من المعدات والمكائن وحتى المعامل بطريقة المقايضة بالتمور، وحاضر مؤسف وصل إلى حد توزيع تمور مستوردة على ضيوف المؤتمرات والمهرجانات المنعقدة في بغداد.
ويكشف مسح لوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي أن العراق كان يمتلك 32 مليون نخلة في عام 1952 في حين انخفضت أعداد النخيل في آخر إحصاء أجري عام 2014 إلى 17 مليون نخلة.
لم تضع وزارة الزراعة أية خطط لتسويق التمور العراقية منذ عدة سنوات، بسبب غياب المخصصات المالية لاستقبال المحصول الذي يتم على أساسه تحديد أسعار كل منتج، بحسب ما يقول فرج ناهي مساعد مدير زراعة ذي قار.
ويؤكد ناهي أن مساحات النخيل في محافظة ذي قار تبلغ نحو 45 ألف دونم، لكن هذه المساحة تراجعت بسبب قرب أغلبها من حدود المدينة، وتحول بعضها إلى بيوت، واضطرار الفلاحين لبيعها للسكن.
وتدهور النخيل ليس في ذي قار فحسب بل في أغلب المحافظات العراقية الجنوبية، حيث شهدت تراجعا واضحا في المساحات المزروعة، ليشكل عام 2003 نقطة تحول في الحياة الزراعية في العراق، بعد موجة تجريف هائلة مستمرة إلى اليوم.
إن تنسيق وتخطيط وزارة الزراعة هو المسؤول عن الجفاف وغياب المكافحة في جنوب العاصمة العراقية وتحديداً منطقة اليوسفية ذات الشهرة الزراعية، ويقول أحد الفلاحين في تلك المنطقة والذي يمتلك 200 نخلة وعشرات الأشجار المنتجة لفاكهة البرتقال، انه لم يبع كيلو غرام واحد من إنتاجه من التمر منذ أربع سنوات، بسبب انعدام المكافحة الحكومية للآفات الزراعية والنقص الكبير في مياه الري.
ويضيف المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف إلى قائمة مشاكل النخيل السابقة، معضلة الآفات الواردة من خارج الحدود، وتحديداً حشرة “السوسة الحمراء” أو ما يسمى “سرطان النخيل” التي انتقلت الى مدينة البصرة جنوبي العراق من مزارع النخيل الكويتية والسعودية، مشيراً إلى تشكيلهم فريقا يرأسه الوزير شخصياً لمعالجة هذا الموضوع والسيطرة عليه، وأن لديهم نتائج أولية إيجابية، فضلاً عن نتائج أكثر فاعلية في مكافحة حشرة الدوباس الخطيرة.
قبل 2003 كانت المكافحة تتم باستخدام الطائرات الزراعية، وتتم بشكل سنوي ومنتظم، ويتم الإعلان عنها مسبقاً في التلفزيون وعبر الجمعيات الفلاحية، حتى يتسنى للمزارع تهيئة أرضه لها، ولكن بعد العام المذكور لم تتم أية عملية مكافحة مماثلة، إذ يرد عليهم مسؤولو الجمعيات الفلاحية بأن عدم الاستقرار الأمني في مناطقهم أو نقص التمويل يمنع من إجراء المكافحة، وهي حجج تقل أهمية عن مشكلة شح الحصة المائية المخصصة للمنطقة، وهو ما دفع بالفلاحين إلى حفر الآبار من أجل سقي المزروعات، وغالباً ما تكون نوعية المياه غير صالحة للسقي وتلحق أضراراً بالغةً بالمحاصيل وفي مقدمتها التمور.
الفساد والربح الفاحش وراء تجريف الأراضي الزراعي:
ان تجارة مكاتب الدلالية للعقار التي يقودها بعض كبار مسؤولي الدولة والايادي الخفية للربح الفاحش، تقوم بتفتيت الاراضي الزراعية وبيعها قطع سكنية، بينما نصف اراضي العراق صحراوية، وبالإمكان اللجوء لتلك الاراض الصحراوية لسد النقص في توفير اراضي السكن، وبالتالي الحفاظ على هذه الثروة الوطنية.
حيث تعرّضت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في العراق خلال الفترة الأخيرة، إلى عمليات تجريف متعمّدة بغرض تحويلها إلى أراضٍ سكنية والتربح من بيعها بأسعار مرتفعة، وقال مسؤولون عراقيون في وزارتي الزراعة والعدل، إن ما لا يقل عن 10 آلاف دونم (10 ملايين متر مربع) من الأراضي الزراعية تم تجريفها بشكل كامل منذ مطلع العام الجاري، وتورط فصائل مسلحة وأحزاب ومسؤولين في حملة إزالة مساحات شاسعة من بساتين النخيل.
وحسب المسؤولين الذين رفضوا ذكر أسمائهم، تقع غالبية عمليات التجريف في بغداد والبصرة وبابل وديالى وصلاح الدين، وجرى التلاعب بالأراضي وتحويلها من زراعية إلى سكنية، ومن ثم توزيعها كقطع أرض مقابل مبالغ مالية متفاوتة.
وأكد مسؤول بارز في وزارة الزراعة العراقية أن ما لا يقل عن 50% من المساحات التي تم تجريفها عبارة عن بساتين نخيل، وأن عمليات حرائق مفتعلة أو تجريف بالجرافات أو رش الأراضي الزراعية بمواد كيميائية تؤدي إلى هلاك الأشجار والنخيل فيها، وان جزءاً كبيراً منها تم تحويله من زراعي إلى سكني، بعد تقطيعها إلى أرض بمساحة تراوح بين 200 و300 متر مربع وبيعها بأسعار مرتفعة مقارنة بأسعار الأراضي الزراعية.
إن الفساد وراء خراب البلد، حيث الجشع أعمى العيون وقتل الانتماء والوطنية لدى العصابات لأقول عراقيين بل فاسدين وعصابات سيلعنهم التاريخ والعراقيين ، حيث يلهثون وراء المال على بقتل وإرهاب البلد بشتى الطرق منها إزالة النخيل وبساتين الحمضيات تقدر بمليارات الدنانير، إذ تُباع قطعة الأرض الواحدة بمساحة 200 متر مربع بما لا يقل عن 50 مليون دينار (نحو 40 ألف دولار)، مشيرا إلى تورط جهات سياسية وقادة عسكريين بالجيش وفصائل مسلحة في الأمر.
ويؤكد مختصون حول عدد النخيل الذي تم قطعه خلال هذا العام حتى الآن لا يمكن إحصاؤه، لكن نتحدث عن أعداد هائلة أكثر من العدد الذي قطع في العام الماضي بالتأكيد.
وبعض التسريبات من وزارة العدل العراقية تشير إلى تقديم هيئة النزاهة ملفات تُثبت عمليات تلاعب بالأراضي الزراعية وجرائم حرق متعمدة وإتلاف لها، بغية تحويلها إلى سكنية وبيعها، وان جميع البساتين التي وقعت ضحية عمليات التجريف تلك تعتبر عامة ومملوكة للدولة وليست خاصة.
بعض الفلاحين في محافظة كربلاء قالوا اننا نعيش حرب إبادة على مزارع النخيل، وان للحكومة دور رئيس في هذه الكارثة البيئية والاقتصادية و الزراعية، واننا نتوقع بعد خمس سنوات أن لا نجد نخلة في بساتين كربلاء، والسبب التمور الاجنبية التي تملأ الأسواق المحلية، وتباع بخمسة اضعاف سعر التمور العراقية رغم جودة التمور العراقية، وانه كان سنويا لديه ما يقارب 2000 نخلة منتجة لأجود انواع التمور، وكان يصدر عشرات آلاف الأطنان من التمور، ولكن بعد عام 2003 وبسبب غزو السوق العراقية من قبل التمور الاجنبية،( الإيرانية والسعودية) ، وعدم وجود جهة حكومية تتبنى تصدير التمور مثلما كان عليه في النظام السابق، فإن زراعة التمور في العراق اصبحت في عداد الموتى والقبور.
وذكر تاجر عراقي كان يعمل في التمور والمنتوجات الزراعية، ان دول الجوار تشتري التمر العراقي بسعر بخس من خلال ادواتها كبعض التجار الكبار في العراق، وتقوم بتعليبه وتغليفه وإعادة تسويقه للعراق مرة اخرى، ويباع على العراقيين بأضعاف سعره، حيث يباع الكيلو الواحد بسعر 2500 دينار، ولو اجريت التحري في الاسواق، ستجد ان الاسواق العراقية ممتلئة بهذه التمور التي أعيد تصديرها للعراق بطريقة شيطانية من اجل ضرب الثروة الوطنية لزراعة التمور واقتصادية ربحية من خلال بيع تمرنا علينا.
ان هناك طلب كبير على التمور المحلية في موسم جني التمور، في الوقت الذي تغزو التمور المستوردة الاسواق، إلا ان المشكلة تكمن في عدم وجود معامل لتغليف وتعبئة التمور المحلية، وبالتالي نضطر نحن كتجار تجزئة الى بيع التمور المستوردة خلال أيام السنة، والتي يصل فيها سعر الكيلو الواحد الى أكثر من 3000 دينار، لاختفاء المنتج المحلي.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية