أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب ألقاه أول أمس الثلاثاء عزمه إذا قام الإسرائيليون بإعادة انتخابه وشكل حكومة جديدة «تطبيق السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت»، وهي منطقة تشمل قرابة 30 في المئة من مساحة الضفة الغربية، مضيفا أن ضم الغور سيكون خطوة أولى وأنه سيضم مستوطنات أخرى بعد نشر «صفقة القرن» الأمريكية.
صاحبت هذا التصريح الذي ألقاه نتنياهو في مستوطنة بمدينة أسدود صفّارات إنذار إثر رشقة صواريخ أطلقت من غزة، كتذكير بأن أصحاب الأرض الفلسطينيين موجودون للدفاع عن أنفسهم تجاه التهديدات، وكان هروبه إثر ذلك مبعث سخرية لمنافسيه، كزعيم حزب «أزرق أبيض»، وتذكيرا أيضا بأن ما يقوله هو جزء من طبيعة المبالغات التي تقتضيها الدعاية السياسية، وخصوصا في الوضع الخطر الذي يتهدد نتنياهو، فخسارته الأغلبية في الانتخابات لن تجعله يخسر منصبه كرئيس للحكومة فقط ولكنها يمكن أن تؤدي به إلى السجن بسبب الاتهامات القضائية المستمرة المتعلقة بالفساد والتي تطارده وزوجته.
ويبدو أن جرعة التهديد الخطيرة التي جاءت في الخطاب لم تكن كافية لإثارة كل غرائز الهمجية والعنصرية لدى ناخبيه فقام بإطلاق تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يقول فيها: «العرب يريدون إبادتنا جميعا، أطفالا، نساء ورجالا»!
ليس المقصود بـ«العرب» طبعاً، الدول العربية التي تفاخر نتنياهو عديد المرات بتوطد علاقاته معها وبأنها «تدرك أننا لسنا عدوها بل سند ضروري لها»، ولا حكامها الذين يقابل بعضهم علنا وسرا، ولعلّ التطوير الذي قدّمه نتنياهو في هذا الموضوع هو احتقاره للأطروحة الشهيرة التي تطبّع فيها الدول العربية مع إسرائيل مقابل إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، والتي صارت بفضل «العرب» المقصودين، إلى تطبيع مع إسرائيل كمكافأة على حرمانها الفلسطينيين من حقوقهم.
من الملفت للنظر، في هذا السياق، أن إعلان نتنياهو تزامن مع إعلان حركة «حماس» اعتقال السعودية لأحد قادتها وممثلها في المملكة محمد صالح الخضري بعد شهور من السكوت ومحاولة إطلاقه عبر التفاوض مع السلطات السعودية، وأن ذلك جاء في إطار حملة طالت العديد من الفلسطينيين في سياق اعتبار السلطات الأمنية السعودية «حماس» حركة إرهابية، كما تزامن ذلك مع أحكام في مصر بالمؤبد لمرشد جماعة «الإخوان» ونائبه بتهمة «التخابر مع حماس»، وهي تهمة طالت أيضا الرئيس المصري الراحل محمد مرسي قبل وفاته.
تصريح نتنياهو حول «العرب يريدون إبادتنا» مثير للسخرية والاشمئزاز لأنه يحاول استثمار ما يسميه الكاتب الأمريكي «صناعة الهولوكوست» باعتبار نفسه وريثا لضحايا الإبادة النازية لليهود مستخدما إياه في سياق اضطهاد الشعب الفلسطيني، الذي هو الضحيّة المباشرة والحاليّة لتلك الإبادة.
نتنياهو، من دون شك، هو ممثل خطاب القوة والاستعلاء والغطرسة، والتي كانت وما تزال خطاب العنصريين والفاشيين في العالم، والذين لا يتوانى نتنياهو عن التحالف معهم، وهو لم ينفك عن استخدام منظومة القوة طوال حياته السياسية، وتجيء زياراته إلى المستوطنين المتشددين في الخليل وغلاف غزة ضمن هذا السياق الذي يقول للفلسطينيين: «نحن قادرون على إبادتكم جميعا، أطفالا، نساء ورجالا»، فيما يقوم بعض حكام «العرب» بإكمال المهمة ضد الفلسطينيين.
القدس العربي