في الثالث عشر من سبتمبر/أيلول عام 1993 وقّع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت إسحق رابين اتفاقية أوسلو في البيت الأبيض بواشنطن.
قسّمت الاتفاقية المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1967 إداريا وأمنيا إلى “أ” و”ب” و”ج”، لكن القدس لم تدخل في تلك المعادلة، حيث نصت الاتفاقية على تأجيلها وتأجيل قضايا الحدود واللاجئين والاستيطان كذلك إلى مفاوضات الحل النهائي.
تأجيل البتّ بشأن القدس دون ضوابط كان خطأ إستراتيجيا ارتكبه الجانب الفلسطيني كما يصفه المحللون والمقدسيون أنفسهم الذين لم تتضح لهم تفاصيل الاتفاقية خلال المفاوضات وفوجئوا بنتائجها التي وصفوها بالمخيبة للآمال.
يقول محمد جاد الله أحد سكان القدس للجزيرة نت، “لم يكن أي من المقدسيين يعرف خفايا المفاوضات بين الطرفين لكن بمجرد إعلان توقيع الاتفاقية أيقن الجميع أنها مجحفة بحق الحجر والبشر والمقدسات في العاصمة المحتلة”.
وأضاف جاد الله، “إسرائيل استفردت بالقدس منذ احتلالها، ولم تكتفِ بذلك فتوغلت في تهويدها بعد اتفاقية أوسلو دون رقيب أو حسيب، حيث هودت أسماء شوارع وأزقة القدس، وباتت المقدسات الإسلامية والمسيحية مستباحة، ويعربد المستوطنون بحماية أمنية ليلا ونهارا، وهذا ما جلبته أوسلو للقدس والمقدسيين”.
تهويد ممنهج
أما حسام أبو عيشة فقال، إن المقدسيين عاشوا حالة من الترقب خلال مفاوضات أوسلو وولد لديهم أمل بانفراج سياسي قريب، “لكن انتابتني الريبة خاصة أن إسرائيل كانت تخطط لتوقيع أوسلو للحد من الانتفاضة الأولى التي أبدع خلالها الفلسطينيون بالصمود وحيروا الاحتلال، فبحث عن طريقة للخلاص منها ووجد ضالته في اتفاقية أوسلو”.
ووصف أبو عيشة تأجيل قضايا القدس والحدود واللاجئين والاستيطان إلى قضايا الحل النهائي بالألغام وتساءل عن السبب الذي دفع منظمة التحرير للموافقة والتوقيع عليها.
وقال “سلمت إسرائيل السلطة الفلسطينية الأمور الحياتية اليومية مثل إدارة خدمات المياه والكهرباء وتشكيل بلديات وإنشاء مؤسسات واحتفظت لنفسها بإدارة القضايا الإستراتيجية، وهذا أوصلنا لما نحن فيه اليوم.. أميركا تعلن القدس عاصمة لإسرائيل، والاستيطان ابتلع أراضينا، ولا سيطرة لنا على مصادر المياه والحدود، نحن نحوم في مربع الصفر بعد ربع قرن من الهذيان السياسي”.
تشغيل الفيديو
سيادة إسرائيلية
من جهته، يقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي، إن القدس عوملت تاريخيا على أنها منطقة محتلة حسب قرار 242 وكانت تسري عليها القوانين الدولية، مما مكّن الفلسطينيين من إيقاف بعض الإجراءات الإسرائيلية التي سعت لفرض السيادة على القدس.
أما بعد الاتفاقية فوضعت إسرائيل -حسب التفكجي- برنامجا تهويديا واضحا تجاه المدينة، مستغلة قضية السلام لتحقيق أهدافها الإستراتيجية بأن تكون القدس غير قابلة للتقسيم بعد تأجيلها لقضايا الحل النهائي.
وأوضح أنه في عام 1992 قبل توقيع الاتفاقية كان عدد المستوطنين في القدس 153 ألف مستوطن، أما اليوم فيصل عددهم إلى 220 ألفا يسكنون في 15 مستوطنة تقع داخل حدود البلدية، بالإضافة لعدد من البؤر الاستيطانية التي تتوسع والمستوطنات باستمرار لاستيعاب مزيد من اليهود في المدينة المحتلة.
وتطرق التفكجي لخطة 2020 التي تهدف لدمج القدس الشرقية بالغربية، وأسرلة التعليم والإجهاز على كل ما هو عربي في المدينة وذلك يسهم في تسريع نقل السفارة الأميركية للقدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل.
وقال إن إسرائيل تسيطرعلى 87% من مساحة مدينة القدس، وباتت تلاحق جميع الأنشطة الثقافية والترفيهية بالمدينة بعد إغلاقها لبعض المؤسسات الفلسطينية بأوامر عسكرية، وطردها لأخرى خارج حدود البلدية.
تشغيل الفيديو
قلب الموازين
أما رئيسة دائرة العلوم السياسية في جامعة القدس آمنة بدران، فترى أن أوسلو “قلبت موازين القوى ولم تعكس نظام حقوق، لأنها لم تُبنَ على القانون الدولي بأكمله وإنما اختزلت القانون الدولي بقرارين هما 242 و338 اللذان يعكسان نتيجة الهزيمة في حرب عام 1967”.
وتضيف “الفجوة الحقيقية هي أن القدس أصبحت تُعرّف بعد اتفاقية أوسلو على أنها منطقة متنازع عليها وليست محتلة، وبالتالي فقدَ الفلسطينيون الضمان للحفاظ على الوضع القائم، فاستغلت إسرائيل الاتفاقية لخلق وقائع جديدة على الأرض”.
الجزيرة