سيختار التونسيون غدا الأحد رئيسا جديدا، هو الثالث بعد المنصف المرزوقي (2011 ـ 2014)، والباجي قائد السبسي (2014 ـ 2019)، بمقاييس الانتخابات الديمقراطية، أو يمكن اعتباره الرئيس الخامس لو احتسبنا عهدي كل من الرئيس الأول بعد الاستقلال، الحبيب بورقيبة الذي دام عهده ثلاثين عاما (1957 ـ 1987) قبل أن يخلع بانقلاب غير دموي نفذه زين العابدين بن علي، في نوفمبر/تشرين الثاني 1987، أي بعد شهر واحد من تعيينه رئيسا للوزراء، وقد أعيد انتخابه رئيسا «بأغلبية ساحقة» في كل الانتخابات الرئاسية اللاحقة التي كان آخرها عام 2009.
تمثّل انتخابات الرئاسة الحاليّة تحدّيا جديدا للديمقراطية التونسية التي استطاعت الصمود أمام الضغوط الداخليّة، بما فيها الهجمات الإرهابية والاغتيالات والوضع الاقتصادي الصعب، والخارجية ممثلة بالأوضاع في ليبيا والدول الأفريقية المجاورة المهتزة سياسيا، وكذلك الحراك الثوري في الجزائر، ومحاولات دول «الثورة المضادة» العربية جر البلاد نحو استقطابات كاسرة وحرب أهلية، ومراقبة الدول الكبرى النافذة، وخصوصا فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
هذا الاستثناء الديمقراطي المذهل لا يبدو مقدّرا حق قدره لدى الناخبين التونسيين الذين كانوا يتوقعون أن تقدم لهم الثورة تغييرا سريعا في أوضاعهم الاقتصادية، ولا تبدو المظاهر التي يحلم بها نظراؤهم العرب، من قبيل وجود مرشحين من جميع الاتجاهات السياسية، أو مناظراتهم التلفزيونية علنا، وبرامجهم الانتخابية التي تقدّم مروحة واسعة من الأفكار، من المرشحين الإسلاميين المعتدلين، كعبد الفتاح مورو، إلى خصومهم الألداء من ممثلي اليسار الراديكالي والتقليدي كحمة الهمامي ومنجي الرحوي، وصولا إلى المدافعين الشرسين عن الدكتاتورية القديمة ورموزها كعبير موسي التي تعتبر الثورة خطأ وتريد إلغاء البرلمان، من دون أن ننسى الرئيس السابق المنصف المرزوقي، ورئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد، ورئيس الوزراء الأسبق حمادي الجبالي، ووزير الدفاع السابق عبد الكريم الزبيدي وغيرهم، من رجال الحكم الجديد والاتجاهات السياسية المختلفة.
تضمّ قائمة الـ26 مرشحا أيضاً شخصيات مثيرة، كحال منير بعطور، أول مترشح مثليّ الجنس في تاريخ العالم العربي، وقيس سعيد الذي يعتبر «المثليّة» مؤامرة أجنبية ويريد إعادة حكم الإعدام، ولعل أكثر المترشحين مدعاة للجدل هو رجل الأعمال نبيل القروي، الذي هو أحد اللاعبين الرئيسيين في عالم الإعلان في تونس، والمتهم بـ«غسل الأموال والاختلاس»، ويعتبر من أهم المترشحين رغم وجوده حاليّا في السجن، وقد يؤدي انتخابه إلى سابقة كبرى في تاريخ تونس والعالم.
إحدى القضايا التي تثير جدلا في هذه الانتخابات قرار حركة «النهضة» الإسلامية الطابع ترشيح نائب رئيسها، عبد الفتاح مورو، بعد أن امتنعت في المرتين السابقتين عن هذه الخطوة، والسبب طبعا هو وجود ما يشبه قانونا عالميّا وعربيّا غير مكتوب يحظر هذا المنصب على الحركات الإسلامية، وفي الذهن طبعاً حدث انتخاب الرئيس المصريّ محمد مرسي، وما أدى إليه من تداعيات أدّت بالنتيجة إلى عودة «الثورة المضادة» إلى الحكم عبر انقلاب عسكريّ.
تعرّض القرار لانتقادات من بعض الشخصيات التونسيّة الإعلامية والسياسية القلقة على مستقبل الديمقراطية التونسية والبلاد، وانصبّت الحجج المعاكسة على أن منصب الرئاسة في تونس لا يقارن في أهميّته ومركزيته المنصب في مصر، وعلى التوازنات الدقيقة للديمقراطية التونسية التي صنعت سابقة عربيّة خلال السنوات الماضية، وكذلك على طبيعة الإسلاميين التوانسة المنفتحة على الحداثة والمؤسسات وخصوصية مرشحهم.
الأمر الآن في أيدي الشعب التونسي الذي «أراد الحياة» فاستجاب له القدر.
القدس العربي