بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البحث عن بديل لمستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وتقول مصادر قريبة من الإدارة الأميركية إنه قد يطلب من وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو شغل هذا المنصب دون استقالته من مهمّته الحالية، أو أن يتولى المهمة إلى أن يحسم أمره على اسم محدد، وسيكون لبومبيو دور هام في تحديد الاسم تفاديا لتكرار حالة الصدام التي كانت بينه وبين بولتون.
واشنطن – خلال انتشار خبر استقالة مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون، كان وزير الخارجية مايك بومبيو يجري مؤتمرا صحافية حول قضية مختلفة، لكن باغته أحد الصحافيين بالسؤال عن حقيقة استقالة أو إقالة بولتون. رفض بومبيو الإجابة لكنه لم يستطع كتم ابتسامة فضحت سرورا داخليا وفسّرت نفسها بنفسها.
رحيل بولتون يعزز نفوذ بومبيو الذي بات يمسك بلا منازع بالسياسة الخارجية الأميركية. وتردّد أن ترامب قد يجعل بومبيو مستشاره للأمن القومي إلى جانب الاحتفاظ بحقيقة الخارجية، الأمر الذي جعل الصحافة الأميركية تطلق عليه لقب “هنري كيسنجر الجديد”.
وكان هذا السيناريو حدث مع هنري كيسنجر، الذي عمل في المنصبين من 1973 إلى 1975. وقال أحد الناشطين الجمهوريين المقربين من بومبيو، إن شغل الوظيفتين “سيجذب أي شخص يحمل إحساسا بالتاريخ. أتخيل أن يكرر ترامب سيناريو هنري كيسنجر، حيث يثق الرئيس ثقة كبيرة ببومبيو”.
وتوقّع مصدر قريب من البيت الأبيض أن يكون لبومبيو دور كبير في تعيين مستشار الأمن القومي القادم، خاصة وأن علاقته ببولتون لم تكن جيدة ولم يكن هناك تفاهم بينهما، خاصة في ملف الحوار مع حركة طالبان، والملف الإيراني. ووصف توماس رايت، خبير السياسة الخارجية في معهد بروكينغز للدراسات، استقالة بولتون بأنها “انتصار لبومبيو”، موضحا أنه “لم يكن على توافق مع بولتون وكان يريد رحيله”.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين مطلعين قولهم إن غياب الثقة بين بومبيو وفريق بولتون دفع وزير الخارجية إلى منع مساعديه من التشاور مع فريق بولتون بشأن إيران. ولم يرحب بولتون بقرار التفاوض مع طالبان بشأن اتفاق سلام يهدف لإنهاء الحرب الطويلة، فقد كان منزعجا من تعيين بومبيو لقيادة هذه الجهود. وفتحت قيادة بومبيو، الذي غيّر المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاد، من معايير سياسة الولايات المتحدة بشأن هذه القضية.
ومع إقالة بولتون بات المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أيه) الذي عيّن على رأس وزارة الخارجية في ربيع 2018، آخر ركائز الفريق الدبلوماسي، مقاوما التعديلات والإقالات المتواصلة في عهد ترامب.
ويتزايد نفوذ بومبيو لدى الرئيس السبعيني الذي قال عنه مرّة إنه العضو الوحيد في حكومته الذي لم يتشاجر معه أبدا. وتأكد ذلك حين أعلن ترامب أمام الصحافيين أنه “بحث” مع بومبيو احتمال تعيينه في منصب مستشار الأمن القومي مع احتفاظه بحقيبة الخارجية.
لكن الرئيس الجمهوري أضاف أنه تم التخلي سريعا عن هذه الفرضية، نزولا عند طلب بومبيو نفسه الذي يفضل “أن يكون معه شخص” ينسّق السياسة الخارجية. ومع ذلك، فبمجرد أن يكون ترامب قد درَس جيدا منح بومبيو منصبين لم يسبق أن جمعهما سوى هنري كيسنجر من قبل، فإنه يكشف ضمنيا عن المكانة التي يحظى بها النائب السابق عن كنساس.
نفوذ ملتبس
يقول ترامب عن بومبيو “إنه رائع” و”إنني على تفاهم كبير معه، لدينا في غالب الأحيان وجهات النظر ذاتها، وأحيانا بعض الخلافات الصغرى”. وهنا تكمن قوة بومبيو، إنما كذلك حدود نفوذه الملتبس.
وقال توماس رايت “إنه نافذ لأنه لا يروّج كثيرا لأجندته الخاصة”، مضيفا “يعرف متى يستسلم ومتى يدفع باتجاه وجهات نظره، ثم يتخلى عنها سريعا إن شعر أن ترامب يمضي في اتجاه آخر”.
ولفت إلى أن هذا المحافظ الذي ينتمي إلى الصقور برز بمواقفه المتشددة حيال أعداء الولايات المتحدة، واضطر إلى التغاضي عن الكثير من مواقفه حين أُلزم على سبيل المثال بتنظيم لقاء مع القادة الإيرانيين أو الدفاع عن دعوة قادة طالبان إلى كامب ديفيد.
نفوذ بومبيو يتزايد لدى ترامب الذي قال عنه مرة إنه العضو الوحيد في حكومته الذي لم يتشاجر معه أبدا
والواقع أن العسكري السابق البالغ من العمر 55 عاما يحرص على ضبط كلامه حتى لا يطغى على الرئيس ويتفادى أي تعارض مع مواقف البيت الأبيض. وخلافا لأسلافه، يمتنع بومبيو عن الدردشة والإدلاء بأي تصريحات لغير النشر للصحافيين المرافقين له، بل يبقى حذرا ويكتفي بنقل الخطاب الرسمي حصرا.
وبات هذا الانصياع التام للرئيس يهدد سجل بومبيو الذي يُعتقد أنه ينوي الترشح لمجلس الشيوخ عن كنساس عام 2020 ثم الترشح للبيت الأبيض بعد ذلك بأربع سنوات.
ويبدو أن هذا ما يدفع بومبيو من وقت لآخر إلى الإشارة إلى أنه لا يكتفي بالموافقة على كل ما يقرره ترامب، وقال في مقابلة مؤخرا “إن لم نكن متفقين، من واجبي أن أبدي له عدم موافقتي، وهو ما أقوم به أحيانا كثيرة”.
ونقلت صحيفة “واشنطن إكزامينر” عن مصدرين على دراية بالديناميكيات داخل الإدارة، أن علاقة وثيقة تجمع ترامب مع بومبيو، حيث أصر وزير الخارجية على إحاطة ترامب شخصيا أثناء توليه منصب مدير وكالة المخابرات المركزية في الفترة من 2017 إلى 2018.
منافسة شديدة
من أبرز المرشحين الآخرين لخلافة بولتون، نجد مستشار بومبيو، ريكي وادل، الذي كان نائبا لمستشار الأمن القومي السابق الجنرال هربرت ريموند ماكماستر. كما يمكن أن يتولى ستيفن بيجون المنصب، وهو الممثل الأميركي الخاص لشؤون كوريا الشمالية.
ومع ذلك، تعتبر المنافسة المفاجئة على منصب بولتون شديدة وحادة مع مختلف المرشحين الذين تقدموا بأنفسهم أو الذين دعا حلفاؤهم إلى اختيارهم.
وقال مسؤول سابق في البيت الأبيض إن ريتشارد غرينيل، وهو سفير الولايات المتحدة في ألمانيا والمقرب لعائلة ترامب، قد يفوز بالمنصب. وأضاف أن الإعلان عن القرار لا يبدو قريبا على الرغم من أن ترامب قال إنه سيعلن عن هوية مستشار الأمن القومي القادم خلال الأسبوع المقبل.
وتضغط الدوائر الانتخابية الرئيسية من أجل تعيين العقيد المتقاعد من الجيش دوغلاس ماغريغور، الذي دعم دعوات ترامب المتعلقة بسحب القوات الأميركية من أفغانستان وسوريا.
وقال أحد المقربين من البيت الأبيض والمعجب بمواقف ماغريغور الذي ظهر في برنامج “تاكر كارلسون” على قناة فوكس نيوز الأميركية أكثر من مرة، “ارتكب الرئيس بالفعل خطأين عندما عيّن رجلين لم يشاركاه رؤيته”. وأكد أن “العثور على أشخاص مؤهلين آخرين يشاركون الرئيس رؤيته” سيكون صعبا.
سيعيّن ترامب مستشار الأمن القومي الرابع منذ توليه منصبه. خلف ماكماستر مايكل فلين الذي أُقيل بعد ثلاثة أسابيع وثلاثة أيام من توليه المنصب. وخدم أكثر من سنة قبل استبداله ببولتون في أبريل 2018.
وتدخل بومبيو في اختيار مستشار الأمن القومي سيؤدي هذا إلى القضاء على وجهات النظر المتضاربة بين وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، التي يرى ترامب أنها تكررت، ما يشي بأن السياسة الخارجية في المرحلة القادمة ستشهد تطورات كثيرة، ويمكن أن تتغير موازين كثيرة في العالم، من الشرق الأوسط إلى الصين، خاصة إذا ما نجح ترامب في اقتناص فرصة ولاية ثانية في انتخابات 2020.
العرب