وزير الصحة العراقي أحدث باستقالته من حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، لأسباب تتعلّق بأداء دوره والقيام بواجبه، سابقة في منظومة الحكم القائمة منذ ستة عشر عاما في العراق، والتي دأب المشاركون فيها على التنافس غير الشريف على المناصب والتشبّث بها سعيا للحفاظ على المكاسب المادية والمعنوية التي تتأتّى منها. كما أعاد الوزير تسليط الأضواء على منظومة الفساد الكبرى المتغلغلة في مفاصل الدولة العراقية والمتحكّمة بمؤسّساتها.
بغداد – سلّطت الأسباب التي ساقها وزير الصحة العراقي علاء العلوان، لتبرير قرار استقالته من حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الضوء على جانب من الإشكالية المزمنة التي تعانيها الدولة العراقية ومؤسساتها، لاسيما في ما يتعلق بتأثير الأحزاب السياسية على أداء تلك المؤسّسات.
وصباح الأحد نشر العلوان على صفحته الموثقة في فيسبوك رسالة مطولة وجهها إلى رئيس الوزراء تضمنت طلبه الموافقة على استقالته.
وقال الوزير في معرض شرح أسباب الاستقالة إنّ “من المحزن أننا نتعرض لطيف واسع من العقبات ومحاولات مرفوضة للابتزاز وحملات التضييق وتشويه الحقائق التي تعيق عمل الوزارة”.
وبالرغم من أن العلوان لم يتحدث في الرسالة صراحة عن الجهات التي تبتزّه إلاّ أن المراقبين فهموا أنه يعني نواب الأحزاب الكبيرة الذين يستخدمون نفذوهم في البرلمان للضغط على الوزارات، بهدف الحصول على عقود تجهيز مواد طبية ومقاولات إنشائية بملايين الدولارات، فضلا عن الوظائف الحكومية التي يخصّون بها أقاربهم وأنصارهم.
وتسلّم العلوان تركة ثقيلة من وزيرة الصحة السابقة عديلة حمود، التي كان قد رشّحها للمنصب حزب الدعوة الإسلامية، وتسببت في كوارث للقطاع الصحي خلال عهد الحكومة السابقة بقيادة حيدر العبادي.
الوزير المستقيل قطع الطريق على أحزاب متنافسة على عقود وزارته وكانت تتربص به لإطاحته باستجواب برلماني
ولم تتأخر الصدمة كثيرا عن العلوان إذ سرعان ما اكتشف بعد تسلّمه المنصب بشهور أنّ الوزيرة السابقة أنفقت نحو نصف مليار دولار على إنشاء ثلاثة مستشفيات في بغداد، ليتبيّن أنّ الأراضي المخصصة لتلك المشاريع استولى عليها متجاوزون وحوّلوها إلى مواقف غير نظامية للسيارات أو مساكن عشوائية.
وحين قرّر العلوان بنفسه أن يزور مواقع المستشفيات الثلاثة اكتشف أنّها مشاريع وهمية، فتوجّه مباشرة إلى رئيس الوزراء لعرض الأمر عليه، لكن دوئر محيطة بعبدالمهدي طالبته بالصمت حتى تحين فرصة مناسبة لفتح ملف الوزيرة السابقة.
وبسبب التخصيصات المالية التي تُفردها الموازنة العامة للوزارة سنويا يتيح قطاع الصحة فرصا ربحية كبيرة تجيد الأحزاب استغلالها.
وكل ما يتطلبه الأمر هو إرسال طلب للوزير برغبة هذه الشركة أو تلك والتي لا تعدو كونها واجهة لأحد الأحزاب الكبيرة، بالحصول على مقاولة تجهيز عقد ما، تكون قيمته في العادة كبيرة، وما على الوزير إلا أن يوافق وإلا يجري استجوابه في البرلمان تمهيدا لإقالته.
ويبدو أن وزير الصحة قرّر اللجوء إلى أقصر الطرق، بعدما وجد نفسه محاصرا بالمافيات الحزبية الطامعة في العقود الحكومية، مفضّلا أن ينسحب بنفسه من المشهد، على أن يجري طرده عبر مسرحية الاستجواب التي سبق للبرلمان أن مثّلها بنجاح مع خالد العبيدي وهوشيار زيباري وزيري الدفاع والمالية في عهد العبادي.
وتقول مصادر مطّلعة إن وزير الصحة تعرّض خلال الشهور الثلاثة الماضية إلى ضغوط كبيرة لإحالة عقود إنشاء مستشفيات وتجهيزات أخرى بمعدات طبية حديثة إلى شركات مملوكة لأحزاب سياسية. وخشية أن يرتدّ الأمر عليه بادر إلى تقديم استقالته.
ويقول النائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري إن “استقالة وزير الصحة علاء العلوان دليل حرصه ونزاهته وعدم تمسّكه بالمنصب”، مشيرا إلى أن هذه الاستقالة هي “رسالة واضحة بأن الحكومة الحالية هي الأضعف والأفشل مقارنة بالحكومات السابقة”. ومضى الجبوري إلى القول “الأجدر أن يقدّم عادل عبدالمهدي استقالته ويحفظ للعراق هيبته وسيادته”.
وكان قبول العلوان بمنصب وزير الصحة في حكومة عبدالمهدي موضع استغراب كثير من المراقبين بالنظر إلى سيرته الحسنة وسمعته الطيبة، ما وضع علامات استفهام عديدة حول موافقته على العمل في أجواء حكومية يتحكّم بها الفساد المالي والإداري.
ويقول الإعلامي العراقي عماد الخفاجي “أخيرا فعلها وزير الصحة”. ويضيف “عندما استذكر مكتب الدكتور علاء العلوان الفاره الذي يشبه الكريستال بنظافته والمطل على بحيرة جنيفا يوم كان نائبا لرئيس منظمة الصحة العالمية، وبين مكتبه المطل على نهر دجلة الذي تصبّ مخلّفات مدينة الطب ومياهها الآسنة قرب واجهة قذرة لمبنى وزارة الصحة المشرفة على مستشفيات الموت المُذل، كنت دائما أتساءل متى يستقيل هذا الوزير المهني الطيّب وسط بيئة سرّاق وقتلة وفاسدين يتقمّصون بدلات بيضاء، لكن بقلوب وعقول وسخة تعتقد أنه ترك سويسرا وجاء ليقتسم معهم صيدهم الثمين في زمن الشطّار والعيارين”.
وجاءت استقالة العلوان في خضم الجدل عن إمكانية الإطاحة بخمسة وزراء في حكومة عبدالمهدي ليس بينهم وزير الصحة، بسبب اتهامات بالفساد وسوء الإدارة أو العلاقة بحزب البعث المحظور، منهم وزير التجارة ووزير الاتصالات، الأمر الذي يزيد من تعقيد مهمّة رئيس الوزراء ،الذي ماتزال أطراف مشاركة في العملية السياسية تأمل في الإطاحة به، طمعا في منصبه.
العرب