يوم أمس دعي قرابة 6.4 مليون ناخب إسرائيلي إلى التصويت لانتخابات الكنيست الثانية والعشرين وذلك للمرة الثانية هذا العام، بعد جولة نيسان /أبريل الماضي التي أسفرت عن نتائج عالقة حالت دون نجاح بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة المكلف في تشكيل وزارة جديدة، وتوجب بالتالي أن يحل الكنيست نفسه. وحتى ساعة إعداد هذا التعليق كان المؤشر الأبرز المتوفر هو أن درجة الإقبال على صناديق الاقتراع سجلت نسبة أعلى مما كانت عليه في الانتخابات الماضية، الأمر الذي يؤكد أن الناخب الإسرائيلي يولي هذه الدورة أهمية أكبر.
ثمة أسباب عديدة وراء ازدياد الإقبال، قد يكون في طليعتها ما تؤكده استطلاعات الرأي من تقارب شديد بين أبرز لائحتين متنافستين، وهما تحالف الليكود اليميني بزعامة نتنياهو وتحالف «أزرق أبيض» الوسطي الذي يقوده رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس ويضمّ موشيه يعلون ويائير لابيد. وفي حال فشل أي من التحالفين في تأمين أغلبية واضحة داخل الكنيست تتيح تشكيل حكومة جديدة، فإن الناخب الإسرائيلي قد يجد نفسه مدعواً إلى انتخابات ثالثة هذا العام أو مطلع 2020 على أبعد تقدير، لا يلوح أيضاً أنها يمكن أن تسفر عن نتائج حاسمة أو مختلفة في الجوهر.
وحال التشتت التي تعصف بالشارع الإسرائيلي ناجمة في المقام الأول عن انقسامات عميقة تعصف بالمجتمع ومكوناته المختلفة، وعلى نحو أساسي بين تيار يميني وديني يشدّ دولة الاحتلال إلى تقاليد متطرفة تخص الحياة اليومية وموقع الديانة اليهودية وهيئاتها في المؤسسات الحكومية وتوصيف الهوية اليهودية للكيان والمطالبة بمزيد من الاستيطان وضم الأراضي المحتلة، وتيار يسعى إلى الحفاظ قدر الإمكان على استقلالية الدولة والإبقاء على الحد الأدنى من «العلمانية» وصيانة منجزات الصهاينة «الرواد» وتوفير صورة أفضل عن «الديمقراطية» الإسرائيلية في أنظار العالم.
وإذ لا يسعى نتنياهو إلى ولاية جديدة في رئاسة الحكومة فقط بل يصارع من أجل تفادي المثول أمام القضاء ومواجهة تهم الفساد وتلقي الرشى والغش وخيانة الأمانة، فإن غانتس يطمح بدوره إلى وراثة الرجل الأطول عهداً في ترؤس حكومات الاحتلال والسير على خطى 19 من الجنرالات ورؤساء أركان الاحتلال السابقين الذين صعدوا سلّم المسؤوليات السياسية المختلفة بعد تقاعدهم. ومن مصادفات التاريخ أن محكمة هولندية نظرت، يوم أمس تحديداً، في دعوى أقامها ضد غانتس مواطن هولندي فلسطيني يتهم رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق بالتسبب في مقتل ستة من أفراد أسرته خلال قصف غزة سنة 2014، وأن غانتس كتب إلى المحكمة يتفاخر بانتمائه إلى «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم».
في المقابل هنالك ثابت واحد تتفق عليه جميع لوائح الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في الانتخابات، ما عدا «القائمة المشتركة» ذات الأغلبية العربية، وهو إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وانتهاك القانون الدولي والتنصل من معظم أحكام اتفاقيات أوسلو. وفي هذا الصدد ثمة أربعة مبادئ تشترك فيها هذه الأحزاب، تبدأ من رفض حدود 1967 وتمرّ برفض حق العودة وتنتهي إلى اعتبار القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال وضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس الكتل الاستيطانية وحدها. وبذلك فإن السلام ليس شاغل هذه الأحزاب، لأنه في الأساس ليس شاغل الناخب الإسرائيلي.
هو صراع من داخل اللون الرمادي في واقع الأمر، وليس بين أي ألوان أخرى يمكن أن تميز هذا الصهيوني عن ذاك.
القدس العربي