أطلقت تظاهرات العراقيين في ساحة التحرير في بغداد شرارة احتجاجات كبيرة انتقلت إلى أحياء الأعظمية والقناة وجسر ديالى وساحة الخلاني والنعيرية والزعفرانية والطيران كما قطع طريق مطار بغداد الدولي من جهة حي البياع، كما انتقلت شعلة الاحتجاجات إلى محافظات أخرى كالناصرية والنجف والسماوة وديالى وواسط والحلة.
وفي حين أعلن البرلمان، على لسان نائب رئيسه حسن الكعبي «دعم حق التظاهر السلمي» وطالب رئيس الوزراء عادل المهدي (الذي هو أيضا القائد الأعلى للقوات المسلحة) بفتح تحقيق عاجل لتدارس أسباب الاحتجاجات و«الاستماع إلى المطالب المشروعة للمحتجين»، وطالب الرئيس برهم صالح بـ«ضبط النفس»، فإن الحكومة، التي أمرت القوات الأمنية بالتصدّي للمحتجين بالرصاص الحي وقنابل الغاز مما أدى لمقتل ثلاثة متظاهرين ووقوع المئات من الجرحى، حمّلت المسؤولية، كما هي العادة السلطوية العربية الشهيرة، لـ«المندسين»، بل إن رئيس الوزراء أصدر بيانا يدافع فيه عن القوات الأمنية ويصف المتظاهرين بـ«المعتدين غير السلميين»، محملا إياهم مسؤولية سقوط الضحايا منهم.
تبدو مطالب التظاهرات اقتصادية وخدمية، مما لا يتناسب مع ردود الفعل العنيفة من السلطات الأمنية، فهي تدعو للتصدي لأشكال الفساد الفظيعة السائدة في البلاد، وتطالب بتحسين الخدمات وتأمين الوظائف والعمل للمواطنين، وتحتج على إقالة قائد عسكريّ محبوب، وأدى التصدّي القمعي لها إلى انتشار أنواع التضامن معها، وامتداد الاحتجاجات من قلب العاصمة إلى الأحياء ومنها إلى المحافظات والمدن الأخرى، لكن مراجعة بسيطة لبعض ما يقوله المتظاهرون لوسائل الإعلام تكشف مستويات أخرى للاحتجاج، فأحدهم يقول: «نطالب بوطن. نشعر بأننا غرباء في بلدنا».
رغم التشابهات المعلومة بين الأنظمة العربية فإن الاحتجاجات العراقية تظهر اختلافات بيّنة، فأغلب تعليقات المتظاهرين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر الاحتجاجات مواجهة بين الشعب المضطهد و«الأحزاب والميليشيات»، فهي لا تفرق السلطات الحاكمة التي تطلق قواتها النار عليها عن الميليشيات والأحزاب التي تتقاسم المنافع والامتيازات، معتبرة إياها كتلة واحدة تمارس القمع والسرقة والفساد.
يحضر، إضافة إلى ذلك، البعد الوطنيّ الذي تحاول أغلب هذه الميليشيات والأحزاب تمويهه وتغييبه، وهو علاقة استتباع المنظومة الحاكمة والميليشيات بإيران، بحيث يتكامل مشروع الفساد الحزبي والميليشياوي مع علاقة التبعية البائسة لبلد آخر، حيث تجري مبادلة قوامها السماح لمنظومة الحكام والميليشيات بالفساد المعمم مقابل الحفاظ على مصالح طهران.
مثير للتأمل أيضاً، عند مطالعة الكثير من الفيديوهات التي ينشرها نشطاء من شوارع المجابهات المليئة بالدخان الحضور الكبير للغناء المليء بالشجن والمحمّل بالأفكار الثورية العالية، كأن يغني أحدهم بصوت شجي إن المتظاهرين لا يثورون من أجل دين أو مذهب بل من أجل الإنسانية، ويقول آخر: «يا بلادي نصحى بظلم وبظلم أقوى ننام. يا بلادي الذلة أبد مو من طبع الإسلام».
قلوبنا مع العراق.
القدس العربي