بعد كشف النقاب عن وثيقة تتضمن نص المحادثة الهاتفية التي جرت يوم 25 يوليو/تموز بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يتهمه الديمقراطيون على إثرها بطلب تدخل دولة أجنبية في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2020، ازداد التراشق اليومي بين معسكر الديمقراطيين بقيادة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ورئيس لجنة الاستخبارات آدم شيف من ناحية، وبين الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو من ناحية أخرى.
ومع بدء إجراءات العزل، بمجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بأغلبية 235 عضوا مقابل مئتي عضو جمهوري، يتبقى تقديم طلب محاكمة الرئيس أمام مجلس الشيوخ صاحب القول الأخير والفاصل.
دعم جمهوري لترامب
وأظهر استطلاع أجرته شبكة “سي بي أس” دعم 55% من الأميركيين التحقيقات الجارية التي قد تؤدي لبدء إجراءات عزل الرئيس ترامب، لكن هذه النسبة لا تزعج الرئيس ترامب الذي يعول على موقف الجمهوريين، حيث وصلت نسبة الرافضين للتحقيقات ولفكرة عزل الرئيس بينهم إلى 77%.
وتمثل شعبية ترامب الواسعة بين أوساط الناخبين الجمهوريين سيفا مسلطا على رقاب أعضاء الكونغرس الجمهوريين.
ويشهد نوفمبر/تشرين الثاني 2020 انتخابات لكل أعضاء مجلس النواب، إضافة لـ 35 مقعدا داخل مجلس الشيوخ من بينهم 23 مقعدا يسيطر عليها حاليا سيناتورات جمهوريون.
يين استسلام نيكسون وصلابة كلينتون
“لقد حان الوقت لوضع نهاية لهذه التحقيقات وأي تحقيقات أخرى تتعلق بهذه القضية، تحقيقات ووترغيت لا تستحق مزيدا من الوقت”، كانت تلك كلمات الرئيس ريتشارد نيكسون لدى إعلانه الاستقالة ومغادرة البيت الأبيض قبل بدء التصويت على عزله.
وشكل الكشف عن تسجيلات تتضمن أدلة دامغة -سربها أحد المسؤولين بالبيت الأبيض- تدين الرئيس نيكسون نقطة فاصلة في موقف الجمهوريين آنذاك.
وكان نيكسون قد خالف القانون بتوجيهه أمرا لمساعديه بضرورة التغطية وعرقلة جهود مكتب التحقيقات الفدرالي “أف بي أي” والمخابرالت المركزية “سي آي أي” في التحقيقات المتعلقة بتجسسه على الحزب الديمقراطي.
عقب ذلك زار ثلاثة من كبار قادة الحزب الجمهوري البيت الأبيض، وهم النائب جون رودس والسيناتور هيو سكوت والسيناتور غولد ووتر، بهدف إخبار الرئيس نيكسون بأن الأوضاع في مجلسي الكونغرس غير جيدة على الإطلاق وتتجه للأسوأ.
وفهم الرئيس نيكسون أن الحزب الجمهوري سيتجه للتخلي عنه، وسيختار التصويت لإقالته، واضطر للاستقالة.
وتشكل تجربة الرئيس السابق بيل كلينتون شيئا مغايرا لتجربة نيكسون، فكلينتون صمم على القتال حتى النهاية، فاعترف بخطأ إقامة علاقة جنسية مع المتدربة مونيكا لوينسكي، لكنه رأى أن خطأه لا يعد جريمة تستوجب العزل.
ومثلما يتلقى الرئيس ترامب دعما واسعا من قواعده الشعبية، وقفت الغالبية الديمقراطية مع كلينتون على الرغم من توجيه انتقادات له على سوء السلوك وعلى العار الذي ألحقه بسمعة ومكانة البيت الأبيض.
وشكّل فشل مجلس الشيوخ في عزل كلينتون حافزا لترامب على التمسك بموقفه والاستمرار في المعركة التي إن خرج منها منتصرا ستدعم حظوظه للفوز في انتخابات 2020.
نسبية الدليل الدامغ
خلال الاتصال الهاتفي الذي يعد محور الأزمة الجارية، طلب ترامب من رئيس أوكرانيا التحقيق حول هنتر نجل جو بايدن المرشح الأبرز بين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة المقبلة في ادعاءات بتورطه في قضايا فساد داخل أوكرانيا، وتحدث ترامب كذلك عن المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا.
ويرى الديمقراطيون أن ترامب انتهك الدستور عبر السعي للحصول على مساعدة دولة أجنبية لإيذاء خصمه السياسي.
ويحتاج الجمهوريون لدليل دامغ يدين الرئيس كي يصوتوا مع العزل. وحتى الآن لم يعبر أي من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين عن وجود دليل دامغ يدين الرئيس كما كانت الحال مع الرئيس نيكسون الذي اختار الاستقالة قبل أن يتعرض للإهانة بتصويت مجلس الشيوخ لإقالته.
ويعتقد الجمهوريون أن المحادثة الهاتفية بين الرئيسين كانت عادية، وأن رئيس أوكرانيا نفسه أكد عدم وجود أي ضغوط عليه.
ولا يعرف بعد حجم أو طبيعة ما يثار عن ضغوط مارستها إدارة ترامب على رئيس الوزراء الأسترالي وعلى أجهزة الاستخبارات الإيطالية من أجل التشكيك في مصداقية تحقيقات روبرت مولر.
ولا يرى زعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل أن المحادثة الهاتفية تتضمن ما يدعو للتحقيق لعزل الرئيس.
وقال العضو القوي بمجلس الشيوخ لصحيفة بوليتيكو “قد قرأت نص المحادثة الهاتفية التي يستخدمها الديمقراطيون ذريعة لبدء إجراءات عزل الرئيس، عليهم التفكير كثيرا قبل الإقدام على أي خطوات إضافية. المحادثة لا تمثل الذريعة التي يحلم الديمقراطيون بالحصول عليها”.
من جهته، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام “أؤمن أن عزل الرئيس بسبب مكالمة هاتفية يعد فكرة مجنونة. الموضوع يبدو ترتيبا مسبقا من الديمقراطيين”.
ولم يعبر غير عضوين جمهوريين هما ميت رومني وبن سيس عن انزعاجهما فقط من محتوي المكالمة الهاتفية.
ولا يقف أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب الجمهوريون وحدهم وراء الرئيس ترامب، بل تتحد الآلة الإعلامية الضخمة للجمهوريين، مثل محطة فوكس نيوز وتلفزيون أميركا1، وكثير من محطات الراديو والصحف المحافظة.
ومع سيطرة الجمهوريين بأغلبية 53 عضوا مقابل 47 على مجلس الشيوخ، يحتاج الديمقراطيون لأصوات عشرين عضوا جمهوريا لعزل الرئيس. ويشكك كثير من الخبراء في حدوث ذلك دون توفر دليل دامغ يكفي لإدانة الرئيس ترامب كما كانت الحال مع الرئيس نيكسون.
المصدر : الجزيرة