في اجتماع بين المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي مع قادة الحرس الثوري الإيراني، أوصى خامنئي قادة الحرس عدة توصيات. تحذّر إحدى وصاياه من ضياع النظرة الواسعة والعابرة الحدود إلى جغرافيا المقاومة، قائلاً “يجب أن لا نقتنع بمنطقتنا، وباختيار 4 جدران نغفل التهديدات وراء الحدود”، كما أشار إلى التظاهرات التي شهدتها إيران منذ سنتين، وندد فيها المتظاهرون بسياسة إيران في العراق وفلسطين ولبنان، فقال خامنئي “ومن رددوا شعار (لا غزة ولا لبنان) لا يدركون العمق الاستراتيجي”.
تصريحات خامنئي إلى قادة الحرس الثوري تبرز تطلعات ما وراء الحدود التي تتسم بها السياسة الإقليمية الإيرانية، التي تُوصف عادة في الإعلام بتصدير الثورة، أو ما تسميه تصريحات المسؤولين الإيرانيين بـ”دعم المقاومة”، وقد تم مأسسة وضعية الحرس الثوري من خلال المادة (150) بالدستور، باعتبار أن دورهم الرئيس هو حراسة الثورة الإيرانية ومنجزاتها، وقد اُستخدم الحرس الثوري داخلياً من أجل قمع المعارضين النظام السياسي، إلا أن نشاطه امتد إلى خارج الحدود الإيرانية، ليعكس أهمية دور الحرس الثوري كإحدى أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما يفسّر المكانة التي يتمتع بها (فيلق القدس)، وهو القوة التابعة إلى الحرس الثوري، ومنوط بها تنفيذ السياسة الإيرانية في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وجل ما يبرز الإرادة الإيرانية المتعمدة انتهاج مبدأ تصدير الثورة هو مقدمة الدستور الإيراني، فقد جاء بها أن “مع الالتفات إلى محتوى الثورة الإسلامية في إيران التي كانت تستهدف النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين فإن الدستور يعد الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة إلى توسيع العلاقات الدولية مع سائر الحكومات الإسلامية والشعبية، إذ يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم، ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم”.
وتحت عنوان (الجيش العقائدي)، والمقصود به الحرس الثوري، يذكر الدستور الإيراني في ديباجته “أن لا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”.
هذه الوضعية الخاصة للحرس الثوري، بعيداً عن صبغتها الأيديولوجية، التي تصبغ السياسة الخارجية لإيران، إلا أنها تفسّر كيفية التوظيف الإيراني لمصطلحات المقاومة والمضطهدين والمستضعفين لتبرير التطلعات الإيرانية لتمدد نفوذها، التي أدت إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة ودعم تنظيمات وجماعات من غير الدول وتقويتها لتكون أقوى من المؤسسات الوطنية الرسمية.
المفارقة في تصريحات المرشد الإيراني أنها تأتي في وقت تسعى فيه إيران ممثلة في رئيس الجمهورية حسن روحاني إلى الدعوة لترتيبات أمن وتعاون إقليمي مع دول الخليج والتهدئة على أساس التعاون والتفاهم.
ومن جهة أخرى تأتي التصريحات لتتناقض مع مضمون دعوة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً، الذي ذكر بالتفصيل تداعيات النزاع العسكري المحتمل مع إيران في مقابلة مع شبكة (سي بي أس) بُثت في الـ29 من سبتمبر (أيلول)، وحذّر من أن الحرب مع إيران يمكن أن تؤدي إلى “انهيار كلي للاقتصاد العالمي، وليس فقط السعودية أو دول الشرق الأوسط”.
أي أن خطاب المرشد الإيراني يناقض أي جهود للحل السياسي في المنطقة، كما يتناقض مع دعوات روحاني للتفاهم والحوار، وهو ما يعني استمرار دور الحرس الثوري، الذي ينشط خارج حدود إيران من جهة، ويدير منظومة الصواريخ الباليستية من جهة أخرى.
ومن ثم فإن هذه التطورات تُلقي الضوء على أهمية أن يتضمن أي حوار محتمل مع إيران التركيز على تقييد النشاط التوسعي والتدخلي في دول المنطقة، وعدم دعم أي تنظيمات أو حركات داخل الدول العربية، والامتناع عن الأنشطة الاستفزازية للحرس الثوري في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز، فيجب أن تدرك إيران أن التفاهم والحوار والتعاون الإقليمي وإعادة دمجها في علاقات اقتصادية وسياسية مع دول المنطقة تتطلب احترام سلامة وسيادة دول الجوار، والتخلي عن طموحات الهيمنة والتوسع.
اندبندت العربي