على الرغم من الأزمات التي تنتظر الاقتصادات العالمية، والتي تتحدث عنها التقارير وشركات الاستشارات، لكن الأزمات في العراق قائمة بالفعل، وربما هي حصيلة أكثر من عقدين كاملين، وتحديداً منذ الغزو العراقي للكويت، ثم تحرير الكويت وضرب العراق.
الأوضاع التي يعيشها العراقيون بالتأكيد تفسر ما يحدث على الساحة العراقية من تظاهرات واحتجاجات اتسعت رقعتها خلال فترة وجيزة لتعمّ غالبية المحافظات والمدن العراقية، في وقت أسدل فيه الستار على ثورات الربيع العربي، التي شهدتها دول عربية عدة بداية العام 2011.
ولم تختلف الشعارات واللافتات التي يرفعها المتظاهرون العراقيون في الوقت الحالي عن تلك التي رفعها من قبلهم أشقاؤهم في بعض الدول العربية التي انطلقت فيها ثورات الربيع العربي، والتي تمثلت في حياة كريمة وعدالة في توزيع الثروة ومواجهة الفساد بكافة أنواعه.
ويحمّل العراقيون مسؤولية سوء أحوالهم الاقتصادية للسياسات الاقتصادية الفاشلة للحكومات السابقة التي كانت خططها الاقتصادية العشوائية لا تعتمد على خبراء الاقتصاد، بل على الأحزاب ورجال الأعمال الموالين لها.
ويعتبر مراقبون أن ملف النفط من أكثر الملفات الشائكة في العراق والأكثر غموضا في اقتصاد البلاد، حيث لم يتم إطلاع الرأي العام على أغلب العقود التي تبرمها الوزارات التي تشكّلت في حكومات ما بعد الاحتلال الأميركي، في ظل هيمنة الأحزاب الموالية لإيران وتفشي قضايا الفساد الإداري والمالي.
14.8 مليون مواطن عراقي عاطل
الأرقام التي جمعتها “إندبندنت عربية” تشير إلى أن المواطن العراقي يعاني العديد من الأزمات الاقتصادية، على الرغم من امتلاك العراق لاحتياطيات نفطية ضخمة. هذه الأزمات تمثلت في انتشار الفقر على نطاق واسع وزيادة معدلات البطالة وارتفاع نسب التضخم، وانتشار الفساد بشكل كبير، هذا بخلاف عدم قدرة الحكومة العراقية على مواجهة الميليشيات التابعة لإيران، والتي حوّلت العراق إلى ساحة للمعارك التي كان يجب أن تكون على الأراضي الإيرانية وليست العراقية.
وبحسب آخر إحصاء أجراه الجهاز المركزي للإحصاء في بغداد، في أغسطس (آب) الماضي، فإن نسبة البطالة بين الشباب في العراق بلغت 22.6%. فيما قدّرت منظمة “النماء” العراقية نسبة النساء العاطلات بأكثر من 80%.
هذا في الوقت الذي أعلن فيه صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) 2018 أن معدل بطالة الشباب في العراق بلغ أكثر من 40%، من أصل تعداد سكان العراق البالغ 37 مليون نسمة، بحسب آخر إحصائية أعلنتها وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقية نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ما يعني أن 14.8 مليون عراقي يقفون في طابور العاطلين.
أين تذهب عائدات بيع النفط؟
البيانات تشير إلى أن الموارد النفطية للعراق تشكل أكثر من 90% من ميزانيته، وتمثل 99% من صادرات البلاد، لكنها تؤمن 1% فقط من الوظائف في العمالة الوطنية، لأن الشركات الأجنبية العاملة في البلاد تعتمد غالباً على عمالة أجنبية.
يذكر أن حجم احتياطي النفط العراقي المؤكد من النفط يبلغ نحو 112 مليار برميل، أما الاحتياطي غير المؤكد فهو بحدود 360 مليار برميل، كما يسجل احتياطي النفط العراقي نحو 10.7% من إجمالي الاحتياطي العالمي للنفط.
ويضخ العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك بعد السعودية، نحو 4.6 مليون برميل يوميا، وتتجه معظم صادراته من الخام إلى آسيا.
ديون خارجية ضخمة
كشفت اللجنة المالية بالبرلمان العراقي تجاوز الديون الخارجية المترتبة على العراق 125 مليار دولار، وسط تحذيرات من أثر ذلك على مستقبل اقتصاد البلاد في ظل التوترات التي تعيشها المنطقة وتأثيراتها على إنتاج النفط الذي تمثل إيراداته نحو 95% من الموازنة.
وحذرت اللجنة من عدة مخاطر تنتظر الاقتصاد العراقي مع استمرار ارتفاع الديون الخارجية وعدم العمل على هيكلتها. وذكرت أن قرابة 20 فقرة من هذه الديون ستكون في موازنة 2020، وما زالت الحكومة تبحث عن الحلول لسدّ العجز في موازنة العام المقبل.
توقعات بعجز غير مسبوق في الموازنة العراقية
وهدّدت اللجنة المالية النيابية بعدم تسلم موازنة 2020 من الحكومة في حال احتوائها على عجز مالي كبير، بينما تستمر بعقد اجتماعات مع وزارة المالية للتباحث بشأن تقليل العجز والاعتماد على الإيرادات غير النفطية. وكانت اللجنة كشفت في وقت سابق أن العجز المتوقع بموازنة 2020 يقدّر بنحو 72 ترليون دينار (60.55 مليار دولار)، مبينةً أنه “رقم مخيف جداً وغير مسبوق”.
وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن ديون العراق تفاقمت خلال السنوات الماضية، حيث كانت قبل 6 سنوات 73.1 مليار دولار، وارتفعت في العام 2014 إلى 75.2 مليار دولار، وفي العام 2015 أصبحت 98 مليار دولار، فيما كانت قبل عامين 114.6 مليار دولار، لترتفع خلال العام 2017 إلى 122.9 مليار دولار، ثم 125 مليار دولار خلال العام الماضي.
كيف تبرر الحكومة ارتفاع الديون؟
وفيما تبرر الحكومة ارتفاع الديون الخارجية بزيادة الإنفاق العسكري، يرى غالبية العراقيين أن السبب الأساسي لتفاقم الديون الخارجية يعود إلى فساد بعض المسؤولين المالي والإداري، حيث أصبح تخصيص أموال الشعب لتمويل أنشطة الأحزاب بديلا للتنمية المستدامة عبر مشاريع وهمية في ظل غياب الشفافية منذ عام 2003 وحتى نهاية عام 2014.
وبخصوص الموازنة، فإن موازنة العام الحالي تبلغ نحو 112 مليار دولار، بعجز يصل إلى 23 مليار دولار، يتم تسديده عبر 18 قرضاً، بخلاف ديون داخلية لخمس جهات محلية مستحقة الدفع أو مؤجلة بفوائد، إضافة إلى برنامج “السندات الوطنية”، والاستمرار في الاقتراض بضمان “مؤسسة الصادرات الدولية” لشراء الأسلحة والدعم اللوجستي لوزارتي الدفاع والداخلية و”الحشد الشعبي” و”جهاز مكافحة الإرهاب”.
يذكر أن العراق يحتل المراكز الأخيرة في مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية. وخلال العام 2018، كشفت هيئة النزاهة العامة عن إصدار أكثر من 2000 أمر قبض بتهم تتعلق بالفساد في العراق خلال 2017، مبينة أن من بين الصادرة بحقهم أوامر قبض 290 مسؤولاً حكوميا بينهم وزراء.
وتشير تقارير منظمة الشفافية العالمية إلى أن حجم المال المنهوب في فترة ما بعد الرئيس الأسبق صدام حسين بلغ 300 مليار دولار. ويحتل العراق المرتبة السادسة عربيا والـ13 عالميا على مؤشر الفساد الذي يضم 163 دولة.
ماذا عن النمو وكم تبلغ حصة الفرد في الناتج المحلي؟
على صعيد معدلات النمو، ووفقاً للبنك الدولي، فإن إجمالي الناتج المحلي العراقي يبلغ 192.9 مليار دولار، بنسبة نمو تبلغ نحو 6.2% خلال العام الحالي. لكنه سيتراجع في السنوات المقبلة إلى مستوى 2.6% وذلك حتى العام 2023.
وقد احتسبت موازنة 2019 سعر برميل النفط بـ56 دولار على أساس معدل تصدير يبلغ 3.880 مليون برميل يومياً، ضمنها 250 ألف برميل منتج من حقول إقليم كردستان، وبارتفاع سعري عن العام 2018، الذي احتسب فيه سعر البرميل بـ46 دولارا.
فيما لم تقدم الحكومة حسابات ختامية للموازنات منذ العام 2013. وظلت الخزينة مفتوحة بلا رقابة أو سقف مصروفات لثلاثة أعوام (2013 – 2015)، وبررت الحكومة ذلك بضرورات محاربة تنظيم داعش الإرهابي.
وتراجعت حصة الفرد العراقي من الناتج المحلي إلى أقل من مستوياتها المتوقعة قياساً إلى الثروة الهائلة والإمكانات الاقتصادية غير المستثمرة، فبلغت هذه الحصة من الناتج المحلي نحو 4990 دولار العام 2017. بينما، وللمقارنة، كانت 7000 دولار في العام 1990. وكانت في العام 2006 قد وصلت إلى 2000 دولار في أدنى مستوياتها.
على صعيد الفقر، فقد سجل نسباً غير مسبوقة منذ العام 2003 وحتى الآن، حيث تشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن 50% من الأطفال فقراء في المحافظات الجنوبية. كما وصلت نسبة الفقر بشكل عام إلى نحو 41.2 % في المناطق المحررة، و30% في المناطق الجنوبية، و23% في الوسط، و12.5% في إقليم كردستان.
وأوضحت الإحصائية أن 48% من السكان في العراق أعمارهم أقل من 18 عاما، بينهم 23% فقراء، أي أن كل طفل من أربعة أطفال يصنف كفقير، كما أن نسبة الأطفال الفقراء في كردستان 5%، وفي المحافظات الجنوبية تبلغ نحو 50%.
اندبندت العربي