“دويلة داخل الدولة” عبارة يرددها خصوم “حزب الله” في السياسة للدلالة على هيمنته وحلوله مكان الدولة في كثير من المفاصل السيادية للبنان. ولكن، من يتعمق في تركيبة “حزب الله” يكتشف أن تركيبته هي كيان مواز للدولة لناحية المؤسسات والقدرات، ومن بينها أجهزة قضائية وسجون سرية. ما دفع البعض إلى القول إن مقولة “حزب الله دويلة داخل الدولة” لم تعد تصف حقيقة الأمر، لأن “حزب الله بات أكبر من الدولة”.
جهاز قضائي مرتبط بالمجلس الجهادي
في هذا السياق، يكشف (م.هـ) الملقب بيوسف، فضل عدم الكشف عن اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، وهو عنصر سابق في حزب الله من منطقة البقاع، وشارك في بعض المعارك التي خاضها الحزب في سوريا، عن جهاز قضائي مرتبط بالمجلس الجهادي يصدر الأحكام بحق موقوفين، يعتبر الحزب أنهم قد خلفوا الإجراءات والقوانين.
ويشرح عمل الجهاز القضائي وآلية اصدار الأحكام، ويقول “في حال كانت المخالفة تنظيمية مثل سرقة أموال أو التورط بقضايا نسائية تتولى التحقيق وحدة تسمى 1100 (الأمن الوقائي) التي أسسها الحزب حديثا بعدما تم سحب ملف التحقيق من وحدة الحماية التي ما زالت تسيطر على السجون، ومن ثم تحول نتيجة التحقيق إلى القضاء الشرعي الذي يرأسه قاضٍ تحوم حوله الشبهات يدعى يوسف أرزوني، وهو غالباً ما يحكم وفق أهوائه أو بموجب ضغوط من مسؤولين”.
هكذا تحاكم منظومة “حزب الله” القضائية
ويتحدث عن المرحلة التي قضاها في أحد سجون الحزب لمدة سنة تقريباً حيث تعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب والإذلال، يقول “بقيت حين أدخلوني السجن لما يزيد على 24 ساعة مكبلاً ملفوفاً بغطاء سميك بينما كنت أتعرض للضرب بشكل متواصل”. ويُفصّل أنواع الأحكام ومدة العقوبة التي يصدرها القضاة في تلك المحاكم على الشكل التالي:
1- القضايا النسائية: تراوح مدة السجن من 3 إلى 6 أشهر بحسب وضع المرأة التي أقيمت معها العلاقة (محصنة أو غير ذلك، إضافة إلى حيثيتها وقراباتها داخل الحزب).
2- في القضايا المالية تراوح مدة السجن بين 3 و6 أشهر في حال أعاد السارق الأموال للحزب، أما إذا لم يعدها فيسجن لثلاث سنوات ويوقع على تنازل عن عقارات أو بيوت.
أما إذا كانت التهمة مختصة بالعمالة للعدو أو في حال قام الحزب بعملية خطف، فلا تحال القضية للقضاء. وهنا تتولى “الوحدة 900” سجن المتهم الذي قد يمكث أكثر من 15 سنة وقد يموت في السجن.
يضيف “يعتمد المحققون غالباً أسلوب إغراء الموقوف بإطلاق سراحه مقابل الاعتراف، وكثيرون يعترفون بجرائم لم يرتكبوها للتخلص من العذاب النفسي والجسدي، إلا أنه يتم سجنهم بناء على هذه الاعترافات”، مشيراً إلى أنه في عام 2016 قام الحزب بسجن قاصر عمره 13 سنة من بلدة محرونة الجنوبية يدعى “ح. و”.
عشرات سجون التعذيب
في السياق نفسه تشير مصادر موثوقة إلى أن عدداً كبيراً من السجون السرية تابعة لحزب الله تنتشر في المناطق التي يسيطر عليها وتتركز بشكل كبير في الأحياء السكنية للضاحية الجنوبية لبيروت، مشيرة إلى أن سجن حارة حريك يعتبر السجن المركزي للحزب، وهو يقع قرب مستشفى بهمن ويخضع لإدارة وحدة الحماية التي يرأسها المدعو الحاج حيدر (من آل عواضة من بلدة كفردونين الجنوبية).
وتلفت المصادر إلى أن لدى الحزب سجنا في بناية التعاون الإسلامي في بئر العبد، ومركز تحقيق في مجمع القائم في الرويس، وكان لديه مركز للتحقيق وبعض الزنازين في مجمع المجتبى في حي الأميركان، إلا أنه أقفلها بعد انفضاح أمرها في الإعلام حين أوقف عناصره صحافيتين من آل شمص، إضافة إلى سجون أخرى سرية تابعة للوحدة الأمنية المعروفة بـ”وحدة 900″ التي يرأسها المدعو الحاج عز الدين.
وتؤكد المصادر أن حزب الله يوزع السجناء كل حسب وضعه، “ثمة سجون خاصة بالمنظمين في صفوفه ممن تم اتهامهم بقضايا مالية أو أخلاقية، وبعض هؤلاء سجنوا من دون محاكمة أو إدانة بسبب خلافات شخصية مع قيادات في الحزب، وكل هذه السجون تتبع لـ”وحدة الحماية 1000”. وتضيف أن هناك سجون أخرى خاصة بالأشخاص المتهمين بالتعامل مع إسرائيل أو بأشخاص قد يقوم الحزب باختطافهم وهي تابعة لوحدة 900.
وأشارت إلى وجود سجنين مركزيين تابعين للحزب في سوريا، الأول في منطقة قارة القريبة من الحدود اللبنانية السورية والثاني في دمشق قرب منطقة السيدة زينب، مشددة إلى أن معظم نزلاء هذين السجنين من السوريين والعراقيين.
تحقيق تحت التعذيب
وتشرح المصادر المراحل التي يمر بها الموقوف أمام “وحدة 900” منذ لحظة توقيفه، إذ يخضع في السجن للتحقيق والتعذيب الجسدي والنفسي، أما عقوبته فقد تراوح من شهر إلى 15 سنة سجن بحسب التهمة، وعادة يتم توقيف المتهم إذا كان منظماً، أو خطفه إذا لم يكن من صفوف الحزب عبر قسم خاص تابع لوحدة الحماية.
وتلفت المصادر إلى أن ثمة استنسابية في المحاسبة داخل الحزب، ففيما يتم سجن أشخاص بريئين أو مدانين بتهم صغيرة لأشهر أو سنوات، فإن المقربين من المسؤولين يتم سجنهم لأيام فقط كحال شقيق رئيس المجلس التنفيذي الذي سجن يوماً واحدا والمدعو نور الشعلان، أحد حيتان المال الذي أدين بسرقة ملايين الدولارات، فتدخل أحد النافذين (القيادي في الحزب محمد قصير) وأخرجه بعد أيام من سجنه.
وتعود المصادر إلى عام 2015 حين اعتقل الحزب عالم دين معمما بسبب إجراء عقد متعة مع ابنة مسؤول كبير في الحزب وأمضى تسعة أشهر تعرض خلالها لأبشع أنواع التعذيب حيث تم تكبيله وضربه ليومين متواصلين فيما كان يعاني مرضا في معدته وكان بحاجة ماسة لعملية جراحية ولكن الحزب رفض نقله إلى المستشفى.
وتشير المصادر إلى أنه في السجون زنازين مشتركة وأخرى منفردة لا يتجاوز طولها مترين وعرضها متراً واحدا تشمل المرحاض ويقوم مطبخ مركزي تابع للحزب بتأمين الطعام للسجناء فيما يشرف على عمليات التحقيق والتعذيب أفراد ملثمون تابعون لوحدتي 1000 أو 900. وتؤكد أن أحد السجون السرية يديره حاليا المدعو أبو قاسم عياد الذي كان مقرباً من عماد مغنية.
الضاحية ملاذ آمن
وتؤكد المصادر أن حزب الله فتح أبواب الضاحية وحولها إلى ملاذ آمن لعدد من المحكومين العرب في قضايا إرهابية، لا سيما من البحرين والسعودية والكويت. وتلفت المصادر إلى أن زعيم حزب الله الحجاز أحمد المغسل، الذي تم اعتقاله في عملية معقدة وتسليمه للسعودية قبل عامين كان تحت حماية الحزب، والنائب الكويتي السابق عبد الحميد دشتي الذي تردد أن حزب الله استطاع تأمين هروبه من الكويت إلى بيروت ومن ثم إلى طهران، وهو لا يزال يتردد إلى بيروت.
وتشدد المصادر على أن الحزب أنشأ مربعاً إعلامياً لقنوات فضائية معادية لدول الخليج وتعمل ضمنها مجموعة من الإعلاميين الخليجيين المحكومين في دولهم.
تبعات القانون الدولي على لبنان
وعن الموقف القانوني تجاه شرعية حزب الله ونشاطه يقول المحامي نديم البستاني إن “حزب الله هو حركة جهادية إسلامية شيعية ذات هيكلية عسكرية وسياسية منظمة تهدف إلى إلغاء الدستور اللبناني العلماني وإرساء الجمهورية الإسلامية في لبنان التابعة لولاية الفقيه المتمركزة في إيران”.
ويشير إلى أن أوصاف المقاومة لا تنطبق على حزب الله بحسب تعريف القانون الدولي، إذ يحدّدها بالأعمال العسكرية الضرورية التي تهدف إلى الدفاع بمواجهة الاعتداء المباشر الآتي من خارج البلاد على أرض الشعب المدافع وحريته وحقه بالحياة، لتنتهي حالة المقاومة عند صدّ العدوان بالرغم من استمرار خطره لتعود من بعدها فتندرج أي عمل من أعمال السلطة وحمل السلاح تحت مظلة الدولة.
وعن نشاط حزب الله في الداخل اللبناني يقول البستاني إن “الحزب يحاول الاستحواذ على غطاء الشرعية عبر فرض تبني السلطات الحق بالمقاومة ضمن البيان الوزاري للحكومة، مما يبرئ أعماله من أحكام المادة 307 من قانون العقوبات التي تجرم بالاعتقال كل من أقدم على تأليف فصائل مسلحة دون رضى السلطة. ولكن مفعول هذه المادة القانونية محصور بتجنيد العديد العسكري ولا يتعدى إلى إباحة الجهات الأخرى الدخلة ضمن المهمات السيادية المفروض حصرها بالدولة والتي يعتبرها حزب الله ملازمة لمهمات المقاومة”.
يضيف “تندرج الاعتقالات ضمن السجون السرية وفق القانون اللبناني ضمن مفهوم جرائم الخطف أو حرمان الحرية بحسب التسمية الاشتراعية، وإذ تعاقب عليها المادة 569 من قانون العقوبات بالأشغال الشاقة المؤبدة وقد تصل العقوبة إلى حدّ الإعدام في حال توفي المخطوف نتيجة اعتقاله”. ويشير إلى أن المادة 401 من أصول المحاكمات الجزائية تمنع استخدام أي سجن إلا بعد تشريعه وتحديده بوضوح بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، وقد صدرت مراسيم لتنظيم السجون وأماكنها بدقة بدءاً بالمرسوم 14310-1949″.
ويختم بالقول إن “الدولة اللبنانية مسؤولة بكامل مؤسساتها لوضع حدّ لهذه المعتقلات غير الشرعية ومحاكمة المسؤولين عنها، لا سيما أن القوانين الداخلية واضحة وجازمة في هذا الصدد خصوصاً في ضوء الإثباتات الحاسمة في إدارة حزب الله هذا النوع من السجون السرية، والأخطر منه أن هذا الوضع يشكل خرقاً فاضحاً لالتزامات لبنان إزاء المواثيق الإنسانية الدولية”.
مصادر حزب الله
مصادر في حزب الله رفضت التعليق على هذه المعلومات، معتبرة أن الحزب يتخذ الإجراءات المناسبة لحماية بيئته ومنع اختراقها من الجهات المعادية.
في حين اعتبر المحلل السياسي توفيق شومان، أن الحديث عن سجون لحزب الله أمر مبالغ فيه يستهدف إظهار أن الحزب كيان خارج الدولة اللبنانية.
ويشير شومان إلى أن لدى الحزب بعض مراكز التحقيق في أكثر من منطقة في لبنان، ودورها هو استجواب بعض المشتبه فيهم في حالات وأوضاع معينة.
ورأى شومان أن حزب الله يعتقل بعض العملاء الكبار الذين يتم اكتشافهم في صفوفه ولا يسلمهم إلى الدولة لأسباب تتعلق بأمن المقاومة، إلا أنه سبق أن سلم مئات العملاء بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان.
وعن الجهاز القضائي التابع للحزب والمرتبط بالمجلس الجهادي قال شومان إن “كل حزب يمتلك هيئة تأديبية للانضباط الحزبي الداخلي، والأمر ليس حالة فريدة لدى حزب الله”.
اندبندت العربي