يرى باحث في الشؤون الخليجية والآسيوية أن الوقت قد حان لتعيد دول الخليج العربية النظر في تدابيرها الأمنية، لتعكس الواقع المتغير من حولها.
ويقترح الباحث والمحلل السياسي ناريانابا جاناردان في مقال نشره الموقع الإلكتروني لمركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي، صيغة لتدابير جديدة تتمثل في بنية أمن جماعي لدول الخليج العربية بقيادة آسيوية، تضم في ثناياها أطرافا إقليمية رئيسة وأخرى من خارج المنطقة من بينها الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى أنه مع احتدام العراك بين سياسة أميركية تقوم على ممارسة “أقصى الضغوط”، ونهج إيراني يتبنى “أقصى حدود للمقاومة”، يبرز اتجاهان متداخلان: أولهما أن مصداقية واشنطن وقدرتها على الردع قد تراجعت في منطقة محور منظومتها الأمنية يدور حول الولايات المتحدة، كما يقول جاناردان.
أما الاتجاه الثاني فيتبدى في هشاشة الوضع الأمني لدول الخليج العربية، ولا سيما السعودية والإمارات، واستنادا إلى تلك المعطيات جاء اقتراح جاناردان بضرورة إقامة منظومة أمن جماعي لتلك الدول.
وعلى الرغم من أن الكاتب يقول إن مجلس التعاون الخليجي لم يعد “كتلة متجانسة”، فإنه يزعم أن ثمة شواهدا متزايدة توحي بأن الدول الأعضاء فيه تحدوها رغبة في استشراف تدابير أمنية بديلة.
ومع إقراره بأنه ما من طرف دولي آخر يستطيع أن يحل محل الولايات المتحدة على المدى القصير، فإنه يوعز بأن دولا آسيوية تُعد ذات شراكة اقتصادية رئيسية مع منطقة الخليج يمكنها أن تلعب دورا في الجانب الأمني على المديين المتوسط والطويل.
وبحسب الكاتب فإنه ومنذ بزوغ فجر الألفية الثالثة، وجدت دول الخليج العربية نفسها مضطرة للاختيار بين الركون إلى ضامن تقليدي لأمنها (هي الولايات المتحدة) وبين اختلافها في الرأي مع العديد من جوانب السياسة الأميركية. ذلك لأن تدخلات واشنطن وسياساتها في العراق ومصر وسوريا وإيران وغيرها لم تخدم مصالح دول الخليج العربية، حيث لم يتم التنسيق معها في ذلك.
ولما لم تعد الولايات المتحدة معتمدة على نفط المنطقة، ومع تحول مركز القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق خلال العقدين الماضيين، زادت دول الخليج العربية من حجم ارتباطاتها بعدد من الدول الآسيوية وحتى روسيا.
وفي الوقت نفسه، استيقظ العديد من الدول الآسيوية على واقع جديد، بعد أن ظلت تسير في ركاب الوجود البحري الأميركي في مياه المنطقة.
وفي ظل تصريحات واشنطن لها بالكف عن الاعتماد عليها دون مقابل، سرى إحساس لدى تلك الدول بأن مصالحها الطويلة الأجل لن تشفع لها في أن تظل متكئة على الولايات المتحدة في تأمين إمداداتها من الطاقة.
وقد أضفى ذلك ذريعة أخرى لتلك الدول لتوسيع قدراتها العسكرية، وخاصة قواتها البحرية. وعلى سبيل المثال، كان عدد السفن البحرية التي جرى تجهيزها للخدمة الفعلية في أحواض بناء السفن في الصين خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2017 ضعفي نظيراتها في أحواض بناء السفن الأميركية.
أما الهند، فإنها تعد العدة لزيادة قطع أسطولها البحري بما يناهز 50% بحلول عام 2027، ويرى الكاتب أن تلك الخطوات من جانب الدول الآسيوية مفيدة لتعزيز أدوارها في الخليج.
فرضيات
وفي بيئة كهذه، فإن الأسباب الموجبة لدور آسيوي في أمن المنطقة تستند إلى الفرضيات التالية، بحسب كاتب المقال:
1- ليس هناك حل عسكري للخلاف بين دول الخليج العربية وإيران، والدبلوماسية هي المخرج الوحيد للأزمة.
2- لا تستطيع الولايات المتحدة وحدها القيام بدور الوسيط في إرساء سلام بالمنطقة بسبب ثقلها التاريخي مع إيران.
3- إن النجاح الاقتصادي للعديد من البلدان الآسيوية يعتمد على الانسياب الحر لإمدادات الطاقة من الخليج وعلى ما ستسفر عنه التوترات في المنطقة.
4- إن المصالح الاقتصادية التي تربط العديد من الأقطار الآسيوية مع دول الخليج العربية وإيران على حد سواء، واتساع الدور السياسي والأمني الإقليمي يجعل منها أطرافا أكثر فاعلية في تسهيل إقرار السلام بين دول الخليج العربية وإيران.
ويخلص الكاتب إلى القول إن دول الخليج العربية ستشعر بأمان أكثر إذا انضمت الولايات المتحدة إلى التدابير الأمنية الجديدة، بدلا من اقتصارها على مظلة القوى الآسيوية التي تحتفظ بعلاقات طيبة مع إيران.
المصدر : ستراتفور