تحت وطأة العقوبات الأميركية وتوقف معظم الإيرادات النفطية مع مكابرة المسؤولين الإيرانيين رفضهم الرضوخ للقرارات الدولية يكاد الاقتصاد الإيراني مع تجدد الأزمات يدخل في الرمق الأخير، فمع الصعوبات التي يتعرض لها قطاع النفط، المصدر الرئيس للإيرادات مع فقدان السيطرة على ارتفاع الأسعار سيضع البلاد قرب نفق الانهيار.
وتعاني طهران تشوهات مالية واقتصادية قد تستغرق وقتا طويلا للتعافي حتى إذ تم إلغاء العقوبات، وسط هروب المستثمرين الأجانب والمقاطعة التجارية الدولية.
وأقر وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، بتراجع قطاع النفط نتيجة العقوبات الأميركية، مؤكداً في الوقت نفسه أن بلاده “ستقاوم”، حسبما نقلت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية شبه الرسمية.
وقال زنغنه إن “صناعة النفط في إيران تتعرض كل بضع سنوات لضربة قاصمة والعقوبات الاقتصادية تعتبر من بينها، وأدى ذلك إلى تراجع صناعة النفط الإيرانية عن مكانتها وموقعها العالميين ولكن سنقاوم في هذه المنطقة”.
وما بين إعلان ترمب انسحابه من الاتفاق النووي في مايو (أيار) العام الماضي حتى أغسطس (آب) العام الماضي، أعادت الإدارة الأميركية كامل العقوبات السابقة على إيران. ومع استمرار التحدي الإيراني وعدم استجابة طهران لدعوات التفاوض على اتفاق جديد يضمن عدم تهديدها لجيرانها وتوقفها عن دعم الإرهاب والميليشيات في الدول الأخرى والحدّ من برنامجها الصاروخي صعّدت الولايات المتحدة العقوبات.
ووصل التشديد إلى فرض عقوبات على أغلب القطاعات الصناعية الإيرانية، وبالأساس قطاع النفط. وفي مايو (أيار) الماضي ألغت واشنطن الاستثناءات التي كانت منحتها لبعض الدول لاستيراد النفط الإيراني لتمنع إيران من تصدير أي نفط.
وبالفعل تكاد تكون صادرات النفط الإيرانية قد وصلت إلى الصفر (أقل من 200 ألف برميل يوميا، مقابل صادرات بلغت 2.5 مليون برميل يوميا قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية العام الماضي).
وفي العام الأخير، بلغ الهبوط في قطاع النفط بنسبة 14%، وتراجع قطاع التصنيع بنسبة 6.5%، وتراجع قطاع الإنشاءات بنسبة 4.5%. أما قطاع الزراعة الذي يشكّل نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي فتراجع بنسبة 1.5%، فيما لم يتغير معدل النمو في قطاع الخدمات الذي يشكل نحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي من دون القطاع النفطي.
انسحاب “شركة البترول الوطنية الصينية”
وأعلن زنغنه الأحد الماضي انسحاب شركة البترول الوطنية الصينية “سي أن بي سي” من مشروع تطوير المرحلة 11 من حقل “بارس”، مؤكداً أن شركة “بتروبارس” التابعة لطهران ستتولى بمفردها المشروع.
وكان من المفترض أن تتعاون شركتا “توتال” الفرنسية و”سي إن بي سي” الصينية مع “بتروبارس” الإيرانية لتطوير المرحلة 11 من حقل “بارس”، بموجب صفقة بقيمة 4.8 مليار دولار، وُقّعت في يوليو (تموز) عام 2017.
وجرى التوصل إلى الصفقة بعد إبرام الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى، الذي نص على رفع العقوبات عن إيران مقابل كبح برنامجها النووي، منهياً عزلة اقتصادية عانتها طهران سنوات.
وانسحبت “توتال” من المشروع بعد ثلاثة أشهر عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب التخلي عن الاتفاق النووي في مايو (أيار)، وإعادة فرض عقوبات على قطاع النفط الإيراني وغيره من القطاعات الحيوية.
وتشير البيانات والأرقام، إلى أن صادرات إيران من النفط الخام والمتكثفات النفطية المسجلة تراجعت خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي إلى أقل مستوى لها منذ يوليو (تموز) من عام 2016، في الوقت الذي يحيط فيه الغموض بأسطول إيران من ناقلات النفط بسبب العقوبات الأميركية وهو ما يجعل تقييم الصادرات الإيرانية على نحو دقيق أمر صعب.
وعلى الصعيد ذاته، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير، إن إنتاج إيران من النفط انخفض بمعدل 40 ألف برميل يومياً في أغسطس (آب) إلى 2.19 مليون برميل يومياً، بالقرب من أدنى مستوى لها في 30 عاما.
وقبل الثورة الخمينية عام 1979، كان البلد ينتج أكثر من 6 ملايين برميل يوميا، لكن الآن وبعد مرور 40 عاما تنتج إيران ما يقرب من مليوني برميل، وسط رفض الشركات الدولية الاستثمار بالبلد الغني بالنفط في العقوبات الأميركية، إلا أن الشواهد تشير إلى انخفاض الإنتاج لمستويات أكبر.
تشوهات سوق الصرف
وفي دارسة حديثة لمركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة في القاهرة ، قال “إن اتجاه البنك المركزي الإيراني نحو تصفير قيمة العملة يبدو محدود الفعالية في مواجهة تدهور سعر الصرف، ما لم تتخذ مزيدٌ من الإجراءات التي يمكن أن تسهم في علاج التشوهات الحالية لسوق الصرف”.
وتابع المركز، “تعاني سوق الصرف في إيران تشوهات عديدة منذ فترة طويلة، يتمثل أبرز مؤشراتها في نظام سعر الصرف ذاته الذي يتسم بالجمود والثنائية. إذ لا تسمح سلطات البنك المركزي بتحرك العملة وفقاً لآليات العرض والطلب، بمعنى أنها تتحكم في تحركات سعر الصرف، وهو ما يسمح بوجود سعر صرف رسمي ثابت نسبياً يحدد أسعار الواردات وبعض المعاملات الحكومية، وسعر صرف آخر يجرى تداوله بفارق كبير في سوق مكاتب الصرافة المرخصة وكذلك السوق السوداء غير المرخصة ويحدد، في أغلب الأحوال، باقي المعاملات بين الأفراد والشركات”.
وأفاد المركز، “أنه يمكن تفسير اتجاه إيران نحو استبدال عملتها وحذف عدة أصفار منها في ضوء اعتبارات أربعة رئيسة، يتمثل أولها، في محدودية فعالية السياسة النقدية الحالية في احتواء تدهور سعر الصرف، فمن بين إجراءات مختلفة، ضخ البنك المركزي 5 مليارات دولار في سوق الصرف منذ مارس (آذار) حتى يوليو (تموز) الماضي، بيد أن ذلك لم يحل دون هبوط قيمة الريال أمام الدولار الأميركي في الفترة الأخيرة”.
أما الاعتبار الثاني فيهدف إلى تعزيز الثقة المحلية والدولية في العملة، إذ إن حذف هذه الأصفار يمكن أن يدعم نسبياً من الثقة والمصداقية المحلية في قيمة العملة، كما سيعزز من السمعة العالمية لها، حيث من المحتمل أن يكون له تأثير نفسي إيجابي على المتعاملين في السوقين المحلية والدولية الذين سيرون قيمة عملة أكثر قوة نسبياً بدلاً من سعرها السابق الذي يتجاوز عشرات الألوف.
وأشار إلى تأثير القرار على تسهيل الحسابات المالية والتجارية، إذ إن هذه الخطوة سوف تجعل عمليات المحاسبة والمراجعة للمعاملات المالية والتجارية تتم بشكل يسير بدلاً من تسويتها بقيم معاملات كبيرة للغاية سواء بالنسبة للقطاعين الخاص والعام أو بالنسبة للجمهور.
وحول الاعتبار الرابع، أكد مركز المستقبل، أنه يتعلق بخفض تكلفة طباعة الأوراق النقدية، فعندما يتحسن نسبياً سعر صرف العملة المحلية المقرر إطلاقها في المستقبل، ستنخفض الحاجة نسبياً إلى طباعة مزيد من الأوراق النقدية أو فئات جديدة منها، وعلى حد قول رئيس البنك المركزي، في يناير (كانون الثاني) الماضي، فإن تكلفة طباعة العملة الورقية فئة 5 آلاف ريال تصل إلى 80%.
وارتفع سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية أكثر من ثلاثة أضعاف، ما أدى إلى تدهور قيمة الدخل للأسر الإيرانية وغلاء الأسعار.
استبدال العملة لن ينجح في احتواء التضخم المرتفع
وأكد المركز أن التأثير النفسي الإيجابي الأوَّلي لاستبدال العملة قصير الأجل، ولن ينجح في احتواء معدل التضخم المرتفع في البلاد ما لم تتجه السلطات إلى معالجة الأسباب الحقيقية لتدهور قيمة العملة المحلية، ومن أهمها انخفاض سيولة النقد الأجنبي بسبب العقوبات التي تهدف من خلالها الولايات المتحدة الأميركية إلى تصفير صادرات إيران من النفط الخام للأسواق الدولية.
ويرى أن استبدال الريال بالعملة الجديدة عملية معقدة وقد تستغرق وقتاً طويلاً، حيث سيتم سحب الأوراق النقدية القديمة وطباعة أوراق مالية جديدة، وهو ما قد يستغرق نحو عامين بحسب البنك المركزي، ويعني أن الأوضاع الحالية لسوق الصرف ستظل كما هي لفترة طويلة.
وحسب آخر تقرير مركز الإحصاء الإيراني (حكومي)، سجل مؤشر التضخم نحو 42.7 % في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط أعنف أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ ما يزيد على 40 عاما، ويتحمل سكان القرى الإيرانية أعباء زيادة مؤشر التضخم في الأسعار والخدمات بمعدل 47.4% مقارنة بسكان المدن الذين تحملوا تضخما بنسبة 41.9%.
اندبندت العربي