عيّن العراق وزيرين جديدين للتعليم والصحة، أمس، وذلك بعد يوم من تعهُّد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بتغيير وزاري، وتطبيق إصلاحات، في محاولة لكبح الاضطرابات.
وأصبحت سها خليل واحدة من نساء قلائل يشغلن منصب «وزير» في العراق. وصدق البرلمان على تعيينها ووافق أيضاً على تعيين جعفر علاوي وزيراً للصحة، بعدما استقال سلفه قبل موجة الاضطرابات الأخيرة.
وأعلن عبد المهدي، أول من أمس، الحداد ثلاثة أيام على قتلى الاحتجاجات، بدءاً من أمس. وقال إنه لم يأمر باستخدام الذخيرة الحية، وأعلن إجراءات تهدف إلى تهدئة المتظاهرين، بينها إجراء تعديل وزاري ومعاقبة المسؤولين الفاسدين، وتوفير فرص عمل للعاطلين، وصرف رواتب للأسر الفقيرة.
وفي علامة على أن البرلمان ما زال في حالة انقسام، قاطع عشرات الأعضاء باقي جلسة أمس، بعد الموافقة على التعيينات الوزارية.
وقال عضو مجلس النواب، هشام السهيل، الذي انسحب من الجلسة، إن النواب صوتوا لوزارتين كانتا شاغرتين، وذلك ليتسنى استئناف العمل بهما، موضحاً أنه كان ينبغي على رئيس الوزراء إجراء تغييرات في وزارات تعجّ بالفساد، دون أن يذكر تفاصيل. وكان بعض أعضاء مجلس النواب، الذين يعارضون نفوذ الفصائل المدعومة من إيران، التي تربطها صلات بجماعات مسلحة تدعم عبد المهدي، قد علقوا مشاركتهم في البرلمان أثناء الاضطرابات.
ويعاني عراقيون كثيرون من الفقر، حيث لا تكاد تتوفر لهم إمدادات مياه نقية ولا كهرباء أو رعاية صحية أساسية أو تعليم مناسب، في ظل محاولة البلاد التعافي من حروب استمرَّت سنين طويلة. وخلال الاضطرابات، التي بدأت في بغداد، ثم امتدت إلى مدن الجنوب، استخدمت قوات الأمن الرصاص الحي والغاز المسيّل للدموع ضد المتظاهرين، وقطعت خدمة الإنترنت بشكل كامل لعدة أيام، واعتقلت ناشطين وصحافيين كانوا يقومون بتغطية الاحتجاجات.
ويُرجح أن تندلع مزيد من الاضطرابات، إذا لم يُطبق الإصلاح سريعاً. وما زالت السلطات تقطع خدمة الإنترنت إلى حد كبير بعد عشرة أيام من بدء أعمال العنف، مع أنه لم يتم الإبلاغ عن أعمال عنف خطيرة، منذ يوم الأحد.
وفي السياق، أعلن مجلس القضاء الأعلى، أمس، عن مصادقة محكمة تحقيق الحلة في محافظة بابل، على اعترافات عنصر أمني أقرّ بالتسبب في مقتل أحد المتظاهرين بالمحافظة.
وكانت مظاهرات حاشدة انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ووقعت خلالها صدامات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن أدت إلى مقتل 105 مواطنين وجرح أكثر من 6 آلاف؛ غالبيتهم من المتظاهرين، استناداً إلى الإحصاءات الرسمية، وثمة إشارات كثيرة من ناشطين إلى مقتل أضعاف العدد المعلن.
وذكر مجلس القضاء في بيان أن «محكمة تحقيق الحلة صدقت أقوال 3 موقوفين؛ بينهم منتسب في قوة مكافحة الشغب اعترف بتسببه باستشهاد متظاهر في مركز المحافظة عبر إطلاقات نارية». وأضاف أن «المحكمة دونت أقواله استناداً إلى أحكام المادة (406) من قانون العقوبات العراقي، وأجرت كشف الدلالة تمهيداً لإحالته على المحكمة المختصة».
كذلك، وجّه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، أمس، بحسم قضايا الموقوفين في المظاهرات والتحري الفوري عمن تسبب بمقتل محتجين. وطلب مجلس القضاء الأعلى في بيان آخر من «المصابين وذوي الشهداء مراجعة محكمة التحقيق المختصة حسب سكنهم لتسجيل الشكاوى بخصوص ذلك».
وما زالت قضية العنف المفرط الذي جوبه به المحتجون من قبل قوات الأمن المختلفة، مثار استياء وسخط قطاعات واسعة من المواطنين العراقيين يعبر عنه بانتقادات متواصلة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والفصائل المسلحة القريبة منها. وقد عبر طيف واسع من النشطاء والمدونين، أمس، عن غضبهم لعدم إدانة رئيس الوزراء «جماعات القنص» المجهولة التي فتكتك بالمتظاهرين، خلال خطابه الذي وجّهه إلى المواطنين ليل الأربعاء.
وفيما اتهم الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، أمس، شركات حراسة أمنية من بينها «بلاك ووتر» الأميركية بالضلوع في استهداف المتظاهرين، نفت جماعة «سرايا الخراساني» الاتهامات التي وجهت لها بالضلوع في قتل المتظاهرين، وقال القيادي في الجماعة هادي الجزائري في تصريحات صحافية: «لن نشارك في قمع الاحتجاجات الشعبية، بل نحن مؤيدون لها، ولا يعلو صوتنا على صوت المرجعية أو الشعب العراقي، خصوصاً أن المظاهرات كانت سلمية وتهدف إلى العدالة الاجتماعية».
وتباينت التكهنات حول الجهة التي أصدرت الأوامر بقتل المتظاهرين، بين من يتهم ضباطاً كباراً مقربين من دائرة رئيس الوزراء بذلك، وآخر يشير بأصابع الاتهام إلى بعض فصائل «الحشد الشعبي». وثمة اتجاه يستبعد إصدار رئيس الوزراء أوامر من هذا النوع أو حتى العلم بها.
بدورها، انتقدت لجنة حقوق الإنسان النيابية، أمس، ما سمته «غياب التعاون الحكومي مع اللجنة للكشف عن الجهات التي وقفت خلف قتل متظاهرين، وبيان الأعداد الكاملة للضحايا على مدى أسبوع من الاحتجاجات الدامية التي شهدتها بغداد ومحافظات الجنوب».
وقال رئيس اللجنة أرشد الصالحي، خلال مؤتمر صحافي عقده بمبنى البرلمان، إن «المظاهرات التي نظمها الآلاف من الشبان العراقيين هي مظاهرات مشروعة وحملت مطالب من صميم الواقع العراقي».
ودعا رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة إلى «التعاون مع اللجنة وتحديد الجهة التي قامت بقتل محتجين سلميين، وإطلاق المعتقلين من الذين لم يثبت بحقهم التورط بأعمال شغب أو حرق مؤسسات الدولة».
وطالب بـ«حماية جميع وسائل الإعلام، وإطلاق خدمة الإنترنت، وأن تأخذ المؤسسات الدستورية دورها الفاعل في ترصين الاستقرار في البلاد».
وفي سياق متصل بالاحتجاجات والخطوات التي اتخذتها الحكومة لامتصاص النقمة الشعبية، يتوافد آلاف الشباب من العراقيين منذ 4 أيام على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للاستفادة من المنحة المالية التي أقرتها الحكومة للفقراء والعاطلين عن العمل.
وكان مجلس الوزراء العراقي قرر مطلع الأسبوع الحالي، منح 150 ألف شخص من العاطلين الذين لا يملكون القدرة على العمل مبلغاً يقدر بنحو 145 دولاراً، ولمدة 3 أشهر، بإجمالي قدره 78.5 مليار دينار عراقي.
وكشف وزير العمل والشؤون الاجتماعية باسم عبد الزمان، خلال مؤتمر صحافي عقده بمبنى الوزارة في بغداد، أمس، عن «وصول نحو 550 ألف مواطن إلى الوزارة بهدف الاستفادة من المنحة المالية الحكومية خلال الأيام الأربعة الماضية، ضمنهم نحو 70 في المائة من المتزوجين».
ودعا المواطنين إلى «عدم المجيء إلى مبنى الوزارة لأنها تقوم بتسلم الطلبات عبر نافذتها الإلكترونية».
وبين الوزير أن «تسلم الطلبات سيبدأ منذ اليوم (أمس الخميس) ويستمر لغاية يوم 24 من الشهر الجاري، على أن تبدأ إجراءات التحقيق وكشف المستحقين عبر بيانات خاصة وبإشراف ديوان الرقابة المالية». وذكر أن «المنحة الحكومية تشمل النساء والذكور ممن تزيد أعمارهم على 18 عاماً وتقل عن 35 عاماً».
الشرق الأوسط