تسير العلاقات العراقية الأميركية نحو المزيد من البرود في ظل توجّه غير متوقّع من حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي نحو أن تكون خاضعة بالكامل للإرادة الإيرانية.
وجاءت آخر المؤشرات على تداعي العلاقة بين بغداد وواشنطن في هذه المرحلة، عبر ترويج الفريق المقرب من عبدالمهدي لفكرة أن الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها أرجاء البلاد مؤخرا، ضد النظام السياسي المتهم بالفساد الإداري والمالي وسوء الإدارة والفشل في تلبية احتياجات السكان وخلفت الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى استندت إلى دوافع أميركية تتعلق بالتنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين.
وفي سياق محاولتهم تفسير أسباب اندلاع الاحتجاجات في العراق على هذه الشاكلة غير المألوفة، روّج مقربون من رئيس الوزراء معلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة حركت التظاهرات الأخيرة في العراق ردا على زيارة عبدالمهدي إلى الصين، مؤخرا، حيث وقّع عقودا ومذكرات تفاهم مع شركات صينية، قد تضر بمصالح الشركات الأميركية في بلاده.
وبدا أن مسؤولين بارزين في مكتب عبدالمهدي مقتنعون بهذه الرواية، بل إن أجهزة الدولة المختلفة سُخّرت للانطلاق منها نحو ضرب حركة الاحتجاج بقوة رغم أن رئيس الوزراء قال في وقت سابق إن الولايات المتحدة تتفهم دوافع انفتاح بغداد على بكين في مجال البنية التحتية، في إشارة إلى انخفاض كلفة الإنشاءات الصينية قياسا بالمعايير الغربية والأميركية.
وكشفت مصادر سياسية عراقية لـ“العرب” أنّ “طهران شجّعت مخاوف عبدالمهدي بشأن ردة فعل الولايات المتحدة على الانفتاح الاقتصادي العراقي على الصين، وقدمت عبر ضباط موالين لها في أجهزة استخبارية عراقية معلومات مضللة عن تحركات أميركية لتشجيع حركة احتجاجية ضد الحكومة في بغداد”.
وتداول مستشارون لدى عبدالمهدي هذا السيناريو بوصفه حقيقة دامغة جرى طبقا لها التعامل مع التظاهرات بعنف مفرط تسبب في وجود نحو ثمانية آلاف بين قتلى وجرحى ومعتقلين.
لكن رئيس الوزراء العراقي تلقى في الوقت نفسه تقديرات استخبارية تقلل من قيمة التقارير التي تشير إلى تورط الولايات المتحدة في تنشيط حركة احتجاجية تستهدف إسقاط حكومته.
وقال متظاهرون تعليقا على هذه المعلومات إن الحكومة العراقية لا تريد أن تعترف بحقيقة أن الفشل الكبير الذي يلف العراق في دوامته منذ 16 عاما كان هو المحرك الرئيسي لإحدى أوسع حركات الاحتجاج في تاريخ البلاد الحديث.
ومع إصرار الحكومة العراقية على منح “نظرية المؤامرة الأميركية” مساحتها الأوسع للتأثير في مسار التعاطي الأمني مع حركة الاحتجاج، برز حجم التناقض الكبير في موقفي بغداد وواشنطن خلال هذه الأزمة عبر طريقة كل طرف في تأويل تفاصيل المكالمة الهاتفية التي جرت بين رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، على خلفية التظاهرات. وقدمت كل من بغداد وواشنطن رواية مختلفة لما دار في هذه المكالمة، وهو ما أحرج بغداد كثيرا التي بدا أنها تقوّل المسؤول الأميركي ما لم يقل.
وجاء في نص البيان الذي وزّعته الحكومة العراقية أن عبدالمهدي تلقّى اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، مشيرا إلى أن عبدالمهدي استعرض خلال المكالمة “تطورات الأوضاع الأمنية وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد رفع حظر التجوال، وأكد سيطرة القوات الأمنية وإعادة الاستقرار، وتقديم الحكومة حزمة من الإصلاحات والإجراءات واستمرارها في تقديم المزيد منها في الأيام المقبلة لتلبية مطالب المواطنين”.
وأضاف البيان الرسمي العراقي أن وزير الخارجية الأميركي أعرب “عن ثقته بالقوات العراقية، مؤكدا موقف الولايات المتحدة الداعم للعراق ولجهود الحكومة بتعزيز الأمن والاستقرار”.
لكن البيان الذي نشرته السفارة الأميركية في بغداد بعد هذه المكالمة تضمن إشارات مختلفة. وجاء في النص الذي وزعته السفارة الأميركية أن بومبيو تحدث “مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي. وأدان الوزير بومبيو العنف الأخير في العراق وأشار إلى أنه يجب محاسبة من ينتهكون حقوق الإنسان”.
وأضاف البيان الأميركي أن بومبيو “جدد التأكيد على أن المظاهرات العامة السلمية عنصر أساسي في جميع الديمقراطيات”، مشيرا إلى أن “العنف ليس مسموحا به في التظاهرات سواء من جانب قوات الأمن أو من المتظاهرين”.
وبحسب البيان الأميركي، فإن بومبيو “أعرب عن أسفه للخسارة المأساوية في الأرواح خلال الأيام القليلة الماضية وحث الحكومة العراقية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس”، مضيفا أن وزير الخارجية “أكد من جديد التزام الولايات المتحدة الدائم بدعم عراق قوي مستقر على النحو المبين في اتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين”.
ونص البيان الأميركي كذلك على أن “الوزير بومبيو حث رئيس الوزراء عبدالمهدي على اتخاذ خطوات فورية لمعالجة مطالب المتظاهرين من خلال سن الإصلاحات ومكافحة الفساد”.
وقالت مصادر حكومية مطلعة إن لجوء السفارة الأميركية إلى نشر رواية مختلفة عن تلك التي نشرتها الحكومة العراقية لتفاصيل ما دار بين بومبيو وعبدالمهدي، يعكس حجم التوتر في العلاقة بين بغداد وواشنطن.
ولا يتعلق توتر هذه العلاقة بملف التظاهرات بل يعود إلى شهور مضت رفضت خلالها الولايات المتحدة استقبال عبدالمهدي، بسبب موقفه الرمادي من صراعها مع إيران في المنطقة.
وكانت الإدارة الأميركية استقبلت رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في وقت سابق ثم الرئيس برهم صالح الذي التقى نظيره دونالد ترامب.
لكن واشنطن رفضت طلب عبدالمهدي زيارتها ولقاء ترامب في ثلاث مناسبات بعد تردّده في الاستجابة لإيضاح موقف بلاده من الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران في وقت يتسع نطاق الثقة في واشنطن بأن رئيس الوزراء العراقي بات يخضع بشكل شبه كلي لإرادة طهران.
العرب