العراق.. وزير جديد للصحة هل يصلح القطاع الصحي

العراق.. وزير جديد للصحة هل يصلح القطاع الصحي

قال مصدر برلماني إن “مجلس النواب صوت خلال جلسته المنعقدة، يوم الخميس 10 تشرين الأول على تعيين جعفر علاوي وزيرا للصحة”. والسؤال هل ينجح الوزير الجديد بمحاربة الفساد والذي كان السبب في استقالة وزير الصحة السابق الدكتور علاء الدين العلوان والتي أظهرت المزيد من الحقائق عن انهيار الواقع الصحي في العراق، ذلك الانهيار الذي جعل المقتدرين من العراقيين ييممون وجوههم صوب عواصم العالم للحصول على العلاج، وغالباً ما يعالجهم في تلك العواصم أطباء عراقيون فروا من العراق بسبب أعمال العنف، أما غير المقتدرين فتجبرهم ظروفهم على مواجهة مصيرهم المحتوم.

ورغم أن العلوان مهني مقتدر وإداري ناجح لكنه وجد نفسه محاطاً بعقبات كثيرة، يضعها من يقحم التدخلات والضغوط السياسية في عمل الوزارة، ومن تتعارض مصالحه مع التغيير، الذي أجراه فيها، وكانت الاستقالة إعلانا عن إخلاء مسؤوليته من ذلك الخراب الذي أصاب قطاع الصحة، والذي بدأ منذ أوائل شهور الاحتلال، بسيطرة جيش المهدي على وزارة الصحة وتحويلها إلى مسلخ بشري لمن يعارض الاحتلال والحركات السياسية، التي تسلطت على حكم البلاد، بعد غزو القوات الأميركية للعراق سنة 2003.

العلوان قال صراحة إنه تعرض لهجمات إعلامية، ولجأ من لا يريدون النهوض بالقطاع الصحي إلى التشهير به في وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ما أوصله إلى قناعة بعدم إمكانية الاستمرار بالعمل في هذه الظروف، لكن رئيس الوزراء رفض الاستقالة، وأقنعه عدد من رؤساء القوى السياسية بالعدول عنها أيضًا، فقدم الوزير إلى رئيس الحكومة تقريرًا عن القطاع الصحي في العراق، وقال إن تطويره يحتاج إلى استثمار ملياري دولار في الأقل.

والواقع أن أحداً لن يستطيع النهوض بالقطاع الصحي العراقي، الذي كان يقدم أرقى الخدمات مجاناً إلى العراقيين والعرب الذين يقصدون البلاد، التي كانت أفضل البلدان في مجال الرعاية الصحية، والتي امتلكت أفضل معامل الدواء، التي كان الناس يحملون أنفسهم من معظم البلدان العربية والأفريقية وسواها للحصول على الدواء الذي تنتجه لفاعليته.

بعد الاحتلال لم يبق شيء لم يخرب ولم يدمر، ويبدو أن من العبث أن يصلح القطاع الصحي في ظل منظومة كل شيء فيها مخرب بقصد، لأن هذا الخراب سيتسلل مرة أخرى، ويعلن سيادته في القطاع، الذي يُصلح. مافيات الفساد تقاوم أي إصلاح لتظل جيوبها تمتلئ، لذلك فإنه لا الوزير العلوان ولا الوزير الجديد جعفر علاوي يستطيع أن يفعل شيئاً في ظل وجود تلك المافيات.

إن الفاسدين يتقاتلون على السيطرة على تجارة الدواء، بعد التراجع المريع الذي شهدته صناعة الدواء في العراق، وهم يستقتلون على هذه التجارة لإدخال أدوية فاسدة، فما يستورد من أدوية عن طريق ميناء أم قصر يدخل مباشرة إلى المذاخر، وما يستورد من إيران يخزن في مذاخر بمدينة زرباطية على الحدود العراقية الإيرانية، وهذه معلومة غير خافية ويتداولها العراقيون في مجالسهم، حتى أن خطباء المساجد والجوامع يجهرون بها في خطبهم عند إشارتهم إلى الفساد المستفحل في البلاد.

ومعروف أن إنتاج الأدوية ومبيعاتها في العالم يؤلفان مرتبة عالية في حجم التبادلات التجارية، وترصد لهما البلدان المختلفة مليارات الدولارات لتأمين حاجة مواطنيها. وتولي هذه البلدان اهتماما استثنائياً بتداول هذه المواد المتعلقة بصحة الإنسان وتصدر القوانين الخاصة بذلك، وكذلك تصدّر دساتير للأدوية وتكون بمرتبة المرجع العلمي في إنتاج الأدوية وتحديد مكوناتها ونسبها وخزنها وإجراء فحوصات الرقابة الدوائية عليها لغاية وصولها إلى المريض، وكذلك تاريخ انتهاء مفعولها، ما يجعل من السهل على المتنفذين والجهات، التي يجمعها الجشع وجني المال الوفير بطرق سهلة غير مشروعة ومرفوضة إنسانياً وأخلاقياً وتقع تحت طائلة القانون بوصفها أعمالاً إجرامية، أن تخترق هذه التجارة وتغتني على حساب صحة المرضى.

دخلت إلى العراق بسبب هذه الجهات المتنفذة، أصناف من الأدوية المغشوشة المنتجة في مصانع معترف بها، وهي تحتوي مكونات صالحة للاستعمال البشري لكنها لا تطابق كمية الدواء المنصوص عليها، كما هو مثبت على رقعتها، وبما لا يفي بالمواصفات الواردة في دستور الأدوية الذي يعتمده المنتج، وهناك أصناف من الأدوية المغشوشة تتباين محتوياتها بين خليط عشوائي من مواد مؤذية ومحتويات غير فعالة وغير مؤثرة في الأمراض، ولا حاجة إلى القول بعد ذلك، إن هذه الأدوية تؤدي إلى موت من يتناولها ويتعاطاها.

إن سيطرة المافيات، التي يقودها متنفذون في العراق، أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى الفشل والتي أصبحت مهيمنة على جميع القطاعات في الدولة العراقية، وعليه لا بد من تغيير جذري في العملية السياسية نفسها.

العرب