لم تنته تداعيات التظاهرات التي انطلقت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي في العراق، ولا يزال القمع الصوت الأعلى للحكومة في البلاد، إذ تشن ملاحقات أمنية من جهات مجهولة لناشطين ومدنيين ومدونين شاركوا في التحركات، ومنهم من دعم الحركة الاحتجاجية والمطالب التي انطلقت منها، وآخرها اختفاء الناشط عقيل التميمي وزميله ميثم الحلو في ظروف غامضة.
إعلاميون وناشطون عراقيون أكدوا، لـ”العربي الجديد”، أن “جهات مسلحة داهمت منازل وشقق ناشطين مدنيين وصحافيين ومدونين وكتّاب في العاصمة بغداد، في إجراء لاعتقالهم، إلا أن الأنباء عن وجود قائمة تضم أسماء ناشطين مستهدفين دفعتهم إلى الهروب واللجوء إلى كردستان”، مشيرين إلى أن “أصابع الاتهام وُجهت إلى أطراف مسلحة تنتمي لمليشيات عراقية موالية لإيران، بعد تنصل الحكومة من عمليات كهذه”.
وأشاروا إلى أن عدداً كبيراً من الصحافيين العراقيين اضطروا، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى ترك بغداد ومدن الجنوب والتوجه نحو محافظات الشمال، في إجراء احترازي لمنع اعتقالهم بتهم الترويج ودعم المتظاهرين، لا سيما العاملين في مجالات التدوين والتلفزيون. وقد تلقى عدد منهم اتصالات من أرقام مجهولة “هددتهم بالتصفية في حال استمرارهم بمزاولة الصحافة”.
ولعل أكثر ما يتداول حالياً بين الصحافيين والإعلاميين العراقيين هي “القائمة”. “القائمة” هذه أكدها مسؤولون في أحزاب مدنية في العراق، وتضم أسماء أكثر من 300 شخص من العاملين في الصحافة العربية والأجنبية، ولم يسلم منها ممثلون كوميديون، ولعل أبرزهم صاحب البرنامج الساخر “ولاية بطيخ”، علي فاضل، الذي كتب على حسابه الموثق على “إنستغرام” أن “جهات مجهولة أعدت قائمة بأسماء المدونين والناشطين والصحافيين من أجل تصفيتهم”. كما أكدت ذلك لـ”العربي الجديد” مصادر قيادية في الحزب الشيوعي العراقي.
وخلال الساعات الماضية، تداول ناشطون مئات التغريدات والتدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، متسائلة عن مصير الدكتور ميثم الحلو، وهو ناشط ليبرالي، بعدما فوجئ متابعوه باختفائه. وبعد السؤال عنه، تبيَّن أنه اختطف بواسطة جهة مجهولة.
وكتب الإعلامي العراقي سعدون محسن ضمد، على صفحته في “فيسبوك”: “ميثم الحلو وين؟ ميثم منذ ما يقارب السنة مهموم بشؤونه الخاصة ولا يكتب أو يتفاعل مع الشؤون العامة نهائيا، وصفحته في (فيسبوك) شاهد على ما أقول، فلماذا يختطف أو يعتقل؟ وهذا السؤال موجه إلى فالح الفياض، مستشار جهاز الأمن الوطني الذي فتح نار اتهاماته على الإعلاميين والمثقفين والمدونين، ففتح الضوء الأخضر لاختطافهم”، مبيناً أن “خطاب التهديد الموجه من رئيس جهاز مكلف بجمع المعلومات والكشف عن (المندسين) غير موفق (يقصد الأمن الوطني)، فالمنتظر منه أن يكشفهم لنا بصمت، لا أن يهددهم عبر الإعلام، لأن الكلام الغاضب يرسل رسالة عجز وضعف… أطلقوا سراح المعتقلين أو حاكموهم بشكل علني، لكن لا تخفوهم كما فعلتم بالعشرات قبلهم”.
من جهة ثانية، قال الصحافي أرشد الحمداني إن “جميع فريق الوكالة الإخبارية المحلية في بغداد حيث أعمل غادر المدينة، بعدما تلقينا سلسلة من التهديدات بالتصفية واقتحام مبنى الوكالة وحرقه على أصحابه والعاملين فيه”. وأضاف الحمداني: “هذا الاستهتار من قبل المليشيات والجهات التي تتجول في بغداد مع أسلحة مرخصة وسيارات حكومية دفعنا إلى الانتقال جميعاً إلى إقليم كردستان، من أجل الاستمرار في تغطية التظاهرات والأحداث الحالية”، موضحا، لـ”العربي الجديد”، أن “عشرات الصحافيين العراقيين توجهوا إلى كردستان وآخرين توجهوا إلى تركيا بحثاً عن الأمان”.
أستاذ الإعلام في كلية “دجلة” في بغداد، علي العزاوي، أشار إلى أن “تكميم الأفواه بطريقة عنيفة من قبل جهات مجهولة هو أمر ترفضه كل المعايير القانونية والأخلاقية، وهو غير نافع مع الصحافيين، لأن الصحافي والفنان والناشط، كل واحد منهم يحمل رسالة وفكراً، وحتماً سيبحث عن منافذ جديدة لطرح وجهة نظره والاستمرار في العمل، وبالتالي فإن إسكات صاحب الفكر هو أمر في غاية السخف، لأنه فعل غير حكيم”.
ورأى العزاوي، في اتصالٍ مع “العربي الجديد”، أن “بعض الجهات المسلحة المنفلتة لا تمتلك القدرة على المواجهة الفكرية مع المتظاهرين أو الصحافيين أو المدنيين وغيرهم، وهم يسعون دائماً إلى قتل الآخر واختطافه وتعذيبه وليس مواجهته بالأفكار والنقاش، وهو ما يحدث الآن”.
العربي الجديد