ها هو المرشد الإيراني علي خامنئي يرد على الرئيس باراك أوباما: تريدون فصل الملف النووي عن أزمات المنطقة. نحن جاهزون لذلك، بل هذا ما نريده. «سواء تمت الموافقة على الاتفاق أم لا، لن نكف مطلقاً عن دعم أصدقائنا في المنطقة وشعوب فلسطين واليمن وسورية والعراق ولبنان».
سبق للرئيس الأميركي أن كرر العبارات نفسها تقريباً في حديثه إلى الصحافي توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»: لا تحاسبوني على ما إذا كان هذا الاتفاق سيغير إيران وينهي سلوكها «العدواني» (هذا تعبير أوباما) تجاه بعض جيرانها العرب وسيقود إلى تهدئة الخلاف السنّي الشيعي. حاسبوني فقط على مسألة واحدة. هل سيمنع هذا الاتفاق إيران من تطوير سلاح نووي خلال السنوات العشر المقبلة.
المعادلة واضحة إذاً بالنسبة إلى الجانبين: تُرفع العقوبات عن إيران ويُسمح لها ببيع نفطها وفتح أسواقها وتطبيع علاقاتها السياسية والتجارية مع العالم الغربي في مقابل… احتفاظها بسلوكها «العدواني» في المنطقة على ما هو عليه. أوباما ليس معنياً بهذا السلوك، بل هو يعتبره مشكلة، على العرب أن يحلّوها بأنفسهم، ولا يتردد في إلقاء اللوم عليهم بسبب السلوك الإيراني، كما فعل في حديثه إلى فريدمان عن الأزمة اليمنية والدور الحوثي هناك.
هكذا تكون إيران قد حققت من الاتفاق النووي أقصى ما يمكن أن تحلم به. سلاح نووي ما زال في علم الغيب، وحتى في حال حصول إيران عليه فإن استخدامه سيكون كارثة عليها قبل سواها، ابتزت به العالم من أجل السماح لها بفرض نفسها قوة أساسية في المنطقة.
في بعض مراحل المفاوضات، ومن خلال متابعة المساعي الحثيثة للوزير جون كيري وزملائه الاوروبيين من أجل إنجاح الاتفاق، كنا نشعر أن الولايات المتحدة هي التي تخضع للحصار وترزح تحت العقوبات، وليس نظام الملالي، بسبب ما كنا نشهده من استماتة من قبل الوزير كيري لإنجاح المفاوضات. لم يكن الإيرانيون مستعدين لأي تنازل في الملفات الإقليمية، بل لم يطلب أحد منهم ذلك، على رغم إدراك الجميع حجم التوتر والنزاع المذهبي المشتعل في المنطقة نتيجة إمعان إيران في استغلال الأوضاع الداخلية وإغراق المجتمعات في مزيد من التفكك.
كثيرون يراهنون، في العالم العربي وفي الغرب، على عامل الوقت والتغيرات الداخلية التي يقولون أنها لا بد أن تحصل في بنية النظام الإيراني وتؤثر على العلاقات بين أجنحته المختلفة، بنتيجة الاتفاق النووي والانفتاح المفترض على الولايات المتحدة والعالم. ويرى هؤلاء أن هذا الانفتاح سوف يكون في مصلحة ما يسمى «تيار الاعتدال» المتمثل بالرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف والفريق العامل معهما. والرئيس أوباما قارن أيضاً بين الخطوة التي أقدم عليها تجاه إيران والانقلاب الذي أحدثه الرئيسان نيكسون وريغان في علاقات الولايات المتحدة مع الصين والاتحاد السوفياتي، معتبراً أن المغامرة في الحالتين السابقتين أثبتت جدواها بدليل التحول الذي حصل داخل البلدين.
غير أن المقارنة تفتح باب الجدل واسعاً حول ما إذا كان النظام الإيراني قابلاً لتغير مماثل لما حصل في الصين والاتحاد السوفياتي. أين هو دنغ هسياو بنغ أو ميخائيل غورباتشوف الإيراني الذي يمكن الاعتماد عليه لإحداث مثل هذا التحول؟ هذا ناهيك عن أن ظروف الزيارتين وأهداف الرئيسين نيكسون وريغان من ورائهما مختلفة. في الحالة الصينية، كان هدف الأميركيين إحداث شرخ في علاقات الصين والاتحاد السوفياتي يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية في حرب فيتنام وجنوب شرق آسيا. أما زيارة ريغان إلى موسكو عام 1988 فقد حصلت مع الاستعدادات لانسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان وطلائع عصر «البيريسترويكا»، ما يعني أن المناخ الداخلي في موسكو كان مؤهلاً لعملية التغيير التي انتهت بتفكك ذلك الاتحاد.
في الحالة الإيرانية، كل ما أمامنا يشير إلى أن ظروف التغيير مختلفة والصفقة مع إيران لا تتضمن سوى مكاسب لها وخسائر للمنطقة وللمصالح الغربية فيها. وليس من قبيل الصدفة أن رجلاً مثل هنري كيسنجر معروفاً بخبرته في عمليات التحول في العلاقات الدولية علق على الاتفاق مع إيران بالقول، إنه لا يفعل شيئاً لتغيير ثلاثة عقود ونصف من العداء التاريخي بين إيران والغرب.
لمصلحة من هو هذا الاتفاق إذاً؟
الياس حرفوش
صحيفة الحياة اللندنية