لقد لفت انتباهي عنوانان مؤخرا، الأول يتعلق بتقرير مخيف بصراحة صدر قبل قمة العمل المناخي للأمم المتحدة هذا الأسبوع.وبدعم من هيئات علوم المناخ الرئيسية في العالم، أشار التقرير إلى أن الالتزامات بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يجب أن تتضاعف ثلاث مرات على الأقل ليتسنى للعالم فرصة تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015. ولفت التقرير إلى أن عواقب عدم القيام بذلك ستكون وخيمة، وأننا بحاجة للتخلص من الكربون في الهواء إذا أردنا تجنب الاضطرار إلى العيش في فرن.
غير أن ذلك يقتضي النأي بالسياسة عن الأموال، وخاصة أموال الوقود الأحفوري.
ويمكن رؤية المشكلة التي تسببها هذه الأموال بوضوح أكبر في الولايات المتحدة، التي تعد أكبر مَصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. ففي أميركا لا يبدو أحياناً أن الحزب الجمهوري الحاكم يتصرف كحركة سياسية، بل كمشروع مشترك بين مؤسسة ترمب واليمين المتدين وشركات الوقود الأحفوري.
واستناداً إلى مركز Centre for Responsive Politics المستقل، فإن 87 في المئة من تبرعات شركات الوقود الأحفوري تذهب إلى المرشحين الجمهوريين، الذين تستفيد حملاتهم الانتخابية من ملايين الدولارات نتيجة لذلك.
هذه التبرعات يكون لها تأثير عندما يصل هؤلاء المشرحون إلى مواقع القرار، وقد لاحظت مجموعة Oil Change International أن الرئيس أوباما “كان يقترح كل عام من عهده خفض الدعم [لشركات النفط]”. لكن لم ينجح أي مقترح في كسب موافقة الكونغرس على الرغم من أن الإجراء كان سيوفر 4 مليارات دولار سنويا من الانفاق السنوي البالغ 20.5 مليار دولار المخصص لدعم التنقيب عن الوقود الأحفوري وإنتاجه.
وفي المملكة المتحدة، من غير المألوف أن تقدم الشركات العمومية تبرعات للسياسيين. كما لا توجد لدينا لجان عمل سياسية ضخمة يكتنف الغموض مصادر تمويلها وتنفق مئات الملايين من الدولارات للتأثير على الانتخابات. غير أن هذا لا يمنع من تدفق أموال شركات النفط إلى خزائن حزب المحافظين.
ففي 2017، ذكرت صحيفة الغارديان أن مدراء في شركات نفط قدموا 390 ألف جنيه إسترليني مباشرة للحزب هذا بعد أن أصبحت تيريزا ماي رئيسة للوزراء، وقد يكون هذا المبلغ مجرد جزء بسيط من الأموال التي تنفق على الضغط والترويج وغيرها من الأنشطة المصممة للتأثير على النقاش السياسي.
وليس مستغربا إذاً أن يتضمن بيان حزب المحافظين لعام 2017 التزاماً بمواصلة الدعم لشركات النفط.
لقد استقطبت ماي الكثير من الأنظار ونالت بعض الثناء عندما تعهدت بجعل بريطانيا خالية من الكربون بحلول عام 2050. لكنها قامت بذلك قبل وقت قصير من مغادرتها رئاسة الوزراء، ولم يتبين بعد ما إذا كان خلفاؤها سيلتزمون بذلك، خاصة مع احتمال قرب إجراء انتخابات ستكون مكلفة وتشهد منافسة شديدة.
لكن من يدفع لعازف المزمار هو من يحدد نغمته، وأفضل نغمة لشركات النفط والغاز هي تلك التي تشيد بفوائد المعونات وأنظمة الضرائب المواتية. وفي هذا الصدد تتمتع جماعات الضغط والمديرون التنفيذيون التابعون لهذه الشركات بكل المقومات لإدراج نغماتهم تلك في قائمة الأغاني السياسية.
لذا لا عجب في استنتاج تقرير المفوضية الأوروبية عن أسعار وتكاليف الطاقة في بداية العام أن المملكة المتحدة قدمت دعماً لقطاع النفط بقيمة 12 مليار يورو تقريباً من إجمالي ما يزيد عن 55 مليار يورو، أي أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي.
والآن تخيلوا عالماً تُرسى فيه قواعد أكثر صرامة للحد من قدرة شركات الوقود الأحفوري على التأثير في النقاش السياسي. هل ستظل هذه الإعانات بهذا السخاء، وهي التي انخفضت في حال المملكة المتحدة بمقدار ضئيل نسبياً فقط بين عامي 2008 و2016؟
ويقودنا هذا إلى العنوان الآخر الذي لفت انتباهي الأسبوع الماضي، ويتعلق بطاقة الرياح البحرية، التي انخفض سعرها 30 في المئة خلال عامين. ويُنتظر أن يتم توليد الطاقة في مزارع بحرية جديدة في جميع أنحاء المملكة المتحدة بكلفة أقل بكثير من حرق الفحم، ولن تتطلب أي دعم على الإطلاق من دافع الضرائب.
لكن، ما صلة ما تقدم بقضيتنا؟
ترى منظمة السلام الأخضر أنه كلما كانت صناعةٌ ما أكثر مراعاة للبيئة، كلما قل عدد جماعات الضغط التي تحتاجها، وبالتالي قل احتمال تقديمها للسياسيين، الذين لديهم أفضل معرفة بكيفية عمل النظام وكيفية التأثير عليه، وظائف مربحة عندما يتركون مناصبهم.
وقد استنتج المسؤول المعني بالمناخ في المنظمة روزي روجرز أن “النتيجة النهائية لذلك هي أن الصناعات التي تشكل تهديداً كبيراً لصحتنا أو للبيئة، لها تأثير أكبر بكثير على حكومتنا من الصناعات الأكثر نظافة والأقل ضرراً”.
وهذا واقع الامور. المال يلوث المناخ السياسي بقدر ما يلوث ثاني أكسيد الكربون والانبعاثات الأخرى الغلاف الجوي ويزيد من سخونة الجو. لذلك نحن بحاجة لتنظيف سياستنا من أموال النفط من أجل تنظيف كوكبنا، وعلينا القيام بذلك بسرعة.
اندبندت العربي